[فَصْلٌ فِي حَدِّ الْبُخْلِ وَالشُّحِّ وَالسَّخَاءِ]
ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي حَدِّ الْبُخْلِ أَقْوَالًا وَذَكَرَ الْقَاضِي أَيْضًا فِي كِتَابِهِ الْمُعْتَمَدِ فِي حَدِّ الْبُخْلِ أَقْوَالًا: (أَحَدُهَا) مَنْعُ الزَّكَاةِ فَمَنْ أَدَّاهَا خَرَجَ مِنْ جَوَازِ إطْلَاقِ الْبُخْلِ عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْ ابْن عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ فَلَيْسَ بِبَخِيلِ قَالَهُ رَدًّا عَلَى الْحَجَّاجِ حِينَ نَسَبَهُ إلَى ذَلِكَ (وَالثَّانِي) مَنْعُ الْوَاجِبَاتِ مِنْ الزَّكَاةِ، وَالنَّفَقَةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ وَمَنَعَ غَيْرَهَا مِنْ الْوَاجِبَات عُدَّ بَخِيلًا (وَالثَّالِثُ) فِعْلُ الْوَاجِبَات، وَالْمَكْرُمَاتِ فَلَوْ أَخَلَّ بِالثَّانِي وَحْدَهُ كَانَ بَخِيلًا وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «بَرِئَ مِنْ الشُّحِّ مَنْ أَدَّى الزَّكَاةَ وَقَرَى الضَّيْفَ وَأَعْطَى فِي النَّائِبَةِ» فَلَمْ يَنْفِ عَنْهُ وَصْفَ الشُّحِّ إلَّا عِنْدَ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ أَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ فِي الْمُخْتَارَةِ مِنْ طَرِيقِهِمَا مِنْ حَدِيثِ مُجَمِّعِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عُمَيْرٍ أَيْ: الْأَنْصَارِيِّ مَرْفُوعًا.
قَالَ الْقَاضِي وَلِأَنَّ هَذَا حَدُّهُ فِي اللُّغَةِ قَالَ وَقِيلَ هُوَ مَعْنًى فِي النَّفْسِ وَهُوَ خَشْيَةُ الْفَقْرِ، وَالْحَاجَةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ الْبُخْلُ يُورِثُ التَّمَسُّكَ بِالْمَوْجُودِ، وَالْمَنْعَ مِنْ إخْرَاجِهِ لِأَلَمٍ يَجِدُهُ عِنْدَ تَصَوُّرِ قِلَّةِ مَا حَصَلَ وَعَدَمِ الظَّفَرِ بِخَلَفِهِ، وَالشُّحُّ يُفَوِّتُ النَّفْسَ كُلَّ لَذَّةٍ، وَيُجَرِّعُهَا كُلَّ غُصَّةٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الشُّحَّ يَحْمِلُ عَلَى الْبُخْلِ فَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إيَّاكُمْ، وَالشُّحَّ إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالشُّحِّ، أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الشُّحُّ مِنْ الْبُخْلِ، وَكَأَنَّ الشُّحَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute