قِيلَ: هِيَ مِنْ الْمَنِّ حَقِيقَةً عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقِيلَ: شَبَّهَهَا بِهِ لِحُصُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِلَا كُلْفَةٍ، وَلَا مُعَالَجَةٍ.
وَظَاهِرُ اللَّفْظِ أَنَّ مَاءَهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ مُطْلَقًا مِنْ ضَعْفِ الْبَصَرِ، وَالرَّمَدِ الْحَادِّ، وَلَا مَانِعَ مِنْ الْقَوْلِ بِهِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ مِثْلَ هَذَا مِنْ الْأَطِبَّاءِ الْمَسِيحِيُّ، وَصَاحِبُ الْقَانُونِ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ اكْتَحَلَ بِمَائِهَا مُجَرَّدًا بَعْضُ مَنْ عَمِيَ مُعْتَقِدًا مُتَبَرِّكًا فَشَفَاهُ اللَّهُ بِحَوْلِهِ، وَقُوَّتِهِ، وَأَظُنُّ قَدْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا فِي زَمَنِ أَبِي زَكَرِيَّا النَّوَوِيِّ. وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَوَى الْخَبَرَ، وَفَعَلَ ذَلِكَ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا رَوَاهُ.
وَقِيلَ: يُخْلَطُ مَاؤُهَا بِدَوَاءٍ، وَيُعَالَجُ بِهِ، وَقِيلَ: هَذَا إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ حَرَارَةٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ حَرَارَةٍ فَمَاؤُهَا مُجَرَّدُ شِفَاءٍ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِمَائِهَا الْمَاءُ الَّذِي تَحْدُثُ بِهِ مِنْ الْمَطَرِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَطَرٍ يَنْزِلُ إلَى الْأَرْضِ فَيَكُونُ إضَافَةَ اقْتِرَانٍ لَا إضَافَةَ جُزْءٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّ الْكَمْأَةَ بَارِدَةٌ رَطْبَةٌ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ، وَأَنَّهَا رَدِيئَةٌ لِلْمَعِدَةِ بَطِيئَةُ الْهَضْمِ تُوَرِّثُ الْقُولَنْجَ، وَعُسْرَ الْبَوْلِ، وَتُوَلِّدُ خَلْطًا رَدِيئًا، وَيُخَافُ مِنْهُ الْفَالِجُ، وَالسَّكْتَةُ. وَيَنْبَغِي أَنْ تُعْمَل بِالدَّارَصِينِيِّ؛ لِأَنَّ جَوْهَرَهَا أَرْضِيٌّ غَلِيظٌ، وَغِذَاؤُهَا رَدِيءٌ لَكِنْ فِيهَا جَوْهَرٌ مَائِيٌّ لَطِيفٌ يَدُلّ عَلَى خِفَّتِهَا، وَلَا يَمْنَعُ كَوْنَهَا مِنْ الْمَنِّ أَوْ أَنَّ مَاءَهَا يَنْفَعُ الْعَيْنَ عَدَمُ الضَّرَرِ فِيهَا وَقْتَ حَلْقِهَا فَالْعَسَلُ، وَغَيْرُهُ فِيهِ ضَرَرٌ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ النَّفْعِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْآفَاتُ، وَالْعِلَلُ حَادِثَةٌ، وَالْفَسَادُ بِأَسْبَابٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ لِمُجَاوَرَةٍ أَوْ امْتِزَاجٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي الِابْتِدَاءِ بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْمَعَاصِيَ، وَمُخَالَفَةَ الرُّسُلِ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ، وَغَيْرَهُ قَالَ تَعَالَى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم: ٤١] وَقَالَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّاعُونِ «إنَّهُ بَقِيَّةُ رِجْزٍ أَوْ عَذَابٍ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ» .
وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِالْقَحْطِ، وَقِلَّةِ الْبَرَكَاتِ «وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا» وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّهُ وَجَدَ فِي بَعْضِ خَزَائِنِ بَنِي أُمَيَّة صُرَّةً فِيهَا حِنْطَةٌ أَمْثَالُ نَوَى التَّمْرِ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا هَذَا كَانَ يَنْبُتُ أَيَّامَ الْعَدْلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute