للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: ٤٧] أَيْ وَاجِبًا أَوْجَبَهُ هُوَ عَلَى نَفْسِهِ. وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فَلَا يَخْفَى وَجْهُ ضَعْفِهِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ شُكْرِهِ وَحَمْدِهِ وَمَدْحِهِ فِي جَمِيعِ مَا يَفْعَلُ مِنْ الْمَلَاذِّ وَالْمَنَافِعِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: كَوْنُ الْمُطِيعِ يَسْتَحِقُّ الْجَزَاءَ هُوَ اسْتِحْقَاقُ إنْعَامٍ وَفَضْلٍ، لَيْسَ هُوَ اسْتِحْقَاقُ مُقَابَلَةٍ كَمَا يَسْتَحِقُّ الْمَخْلُوقُ عَلَى الْمَخْلُوقِ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ لَا مَعْنَى لِلِاسْتِحْقَاقِ إلَّا أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ. وَوَعْدُهُ صِدْقٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يُثْبِتُونَ اسْتِحْقَاقًا زَائِدًا عَلَى هَذَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.

قَالَ تَعَالَى {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: ٤٧] ، «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ أَتَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ» لَكِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَقُولُونَ هُوَ الَّذِي كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ وَأَوْجَبَ هَذَا الْحَقَّ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يُوجِبْهُ مَخْلُوقٌ. وَالْمُعْتَزِلَةُ يَدَّعُونَ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْخَلْقِ وَأَنَّ الْعِبَادَ هُمْ الَّذِينَ أَطَاعُوا بِدُونِ أَنْ يَجْعَلَهُمْ مُطِيعِينَ، وَأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الْجَزَاءَ بِدُونِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُوجِبَ، وَغَلِطُوا فِي ذَلِكَ، وَهَذَا الْبَابُ غَلَّطَتْ فِيهِ الْقَدَرِيَّةُ الْجَبْرِيَّةَ أَتْبَاعَ جَهْمٍ وَالْقَدَرِيَّةُ النَّافِيَةُ.

وَحَدِيثُ مُعَاذٍ الْمَذْكُورُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: «كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إلَّا مُؤَخِّرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ يَا مُعَاذُ قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ.» .

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ «كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ فَإِنَّ حَقَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>