ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا} [آل عمران: ١١٨] أَيْ لَا يُبْقُونَ غَايَةً فِي إلْقَائِكُمْ فِيمَا يَضُرُّكُمْ وَالْخَبَالُ الشَّرُّ وَالْفَسَادُ {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} [آل عمران: ١١٨] أَيْ يَوَدُّونَ مَا يَشُقُّ عَلَيْكُمْ مِنْ الضُّرِّ وَالشَّرِّ وَالْهَلَاكِ، وَالْعَنَتِ الْمَشَقَّةِ يُقَالُ فُلَانٌ يُعْنِتُ فُلَانًا أَيْ يَقْصِدُ إدْخَالَ الْمَشَقَّةِ وَالْأَذَى عَلَيْهِ.
{قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} [آل عمران: ١١٨] قِيلَ بِالشَّتْمِ وَالْوَقِيعَةِ فِي الْمُسْلِمِينَ وَمُخَالِفَةِ دِينِكُمْ، وَقِيلَ بِاطِّلَاعِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَسْرَارِ الْمُؤْمِنِينَ {وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: ١١٨] أَيْ أَعْظَمُ {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: ١١٨] قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ [الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ] فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْعِمَالَاتِ وَالْكَتَبَةِ وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَسْتَعِينُ الْإِمَامُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَقَدْ جَعَلَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَصْلًا فِي اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ فِي عَامِلِ الزَّكَاةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مَحَلُّ وِفَاقٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ سَأَلَهُ يُسْتَعْمَلُ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ فِي أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ الْخَرَاجِ؟ فَقَالَ لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ فِي شَيْءٍ.
فَانْظُرْ إلَى هَذَا الْعُمُومِ مِنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ نَظَرًا مِنْهُ إلَى رَدِيءِ الْمَفَاسِدِ الْحَاصِلَةِ بِذَلِكَ وَإِعْدَامِهَا وَهِيَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَازِمَةً مِنْ وِلَايَتِهِمْ وَلَا رَيْبَ فِي لُزُومِهَا فَلَا رَيْبَ فِي إفْضَائِهَا إلَى ذَلِكَ، وَمِنْ مَذْهَبِهِ اعْتِبَارُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute