وَلَا يَنْبَغِي التَّمَادِي مَعَ الْهَوَى وَتَرْكِ السَّعْيِ فِي أَسْبَابِ إزَالَتِهِ وَكَشْفِهِ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي أَوَّلِهِ سَهْلٌ فَزَوَالُهُ قَرِيبٌ سَهْلٌ وَقَدْ قِيلَ
وَمَا النَّفْسُ إلَّا حَيْثُ يَجْعَلُهَا الْفَتَى ... فَإِنْ أُطْمِعَتْ تَاقَتْ وَإِلَّا تَسَلَّتْ
وَقَدْ يَعْظُمُ وَيَتَفَاقَمُ فَتَبْعُدُ إزَالَتُهُ جِدًّا وَيَبْعُدُ السَّعْيُ فِي سَبَبهَا لِغَلَبَةِ الْهَوَى، وَالْمَحَبَّةِ. وَسَبَقَ فِي أَوَائِل الْكِتَاب مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «حُبُّك الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ» وَيَحْصُلُ مَعَ التَّمَادِي فِي ذَلِكَ مِنْ الذُّلِّ، وَالشَّرِّ، وَالْفَسَادِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعِبَادِ وَيَصِيرُ ذَلِكَ عَادَةً وَطَبِيعَةً وَجِبِلَّةً فَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ مَعَ الشَّيْخُوخَةِ وَعُلُوِّ السِّنِّ وَيَنْتَقِلُ مِنْ صُورَةٍ إلَى صُورَةٍ وَلَا يَنْفَعُ مَعَ ذَلِكَ وَعْظٌ وَلَا زَجْرٌ وَيُضْعِفُ الطَّعَامَ عَنْهُ جِدًّا وَقَدْ قَالَ الْأَطِبَّاءُ مَا قَالَ غَيْرهمْ: الْعَادَةُ طَبِيعَةٌ ثَانِيَةٌ.
وَفِي فُنُونِ ابْنِ عَقِيلٍ قَالَ حَنْبَلٌ الْخَيْرُ بِالتَّعَوُّدِ، وَالشَّرُّ طَبْعِيٌّ، وَانْظُرْ إلَى وَضْعِ الشَّرْعِ «مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ» فَلَمَّا جَاءَ إلَى الشَّرِّ «فَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» لِعِلْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ أَكْثَر فِي الْمُجْتَمِعِينَ. وَقَدْ نَظَمَ الْوَزِيرُ ابْنُ هُبَيْرَةَ الْحَنْبَلِيُّ مِنْ أَصْحَابنَا.
تَعَوَّدْ فِعَالَ الْخَيْرِ جَمْعًا فَكُلُّ مَا ... تَعَوَّدَ الْإِنْسَانُ صَارَ لَهُ خُلُقَا
قَالَ أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِيٍّ: مَا يَسُرُّنِي أَنِّي مُكْتَفٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا قِيلَ لَهُ وَلِمَ قَالَ أَخَافُ عَادَةَ الْعَجْزِ.
وَقَالَتْ الْعَرَبُ، الْعَادَةُ أَمْلَكُ بِالْإِنْسَانِ مِنْ الْأَدَبِ. وَقَالُوا الْعَادَةُ طَبِيعَةٌ ثَانِيَةٌ، وَقَالُوا الْخَيْرُ عَادَةٌ، وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ وَكَانَ يُقَالُ وَاَللَّهِ لَا أَنْسَاك حَتَّى أَنْسَى الْعَوْمَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا تَعَلَّمَ السِّبَاحَةَ لَمْ يَنْسَهَا، وَقَدْ قِيلَ لِي عَنْ بَعْضِ مَنْ تَوَلَّعَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَأَلِفَهَا وَعَشِقَهَا وَأَرَادَ الْكَفَّ عَنْ ذَلِكَ وَزَجَرَ نَفْسَهُ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ مَا بَقِيَ يَشْرَبُهَا فَغَلَبَتْهُ عَادَتُهُ وَطَبِيعَتُهُ عَلَى أَنْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ وَشَرِبَهَا وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مَعْرُوفٌ لِمَنْ نَظَرَ فِي أَحْوَالِ النَّاسِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute