للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرُمَّانٍ وَرَيْحَانٍ وَطُرَفَاءَ وَنَحْوِهَا، وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ يُخَلَّلُ مَا بَيْنَ الْمَوَاضِعِ بَعْدَ الْأَكْلِ قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ، وَالْقِ ذَلِكَ وَهَذَا لِلْخَبَرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «مَنْ أَكَلَ فَمَا تَخَلَّلَ فَلْيَلْفِظْ، وَمَنْ لَاكَ بِلِسَانِهِ فَلْيَبْلَعْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ وَفِي إسْنَادِهِ حُصَيْنُ بْنُ الْحِمْيَرِيِّ الْحُبْرَانِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخَيْرِ وَيُقَالُ أَبُو سَعْدٍ وَهُمَا مَجْهُولَانِ فَلِهَذَا ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَضَعْفُهُ أَوْلَى، وَقِيَاسُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ الْعَمَلُ بِهِ فِي الِاسْتِحْبَابِ كَمَا قَالُوا بِمَا فِيهِ مِنْ الْمُسْتَجْمِرِ، وَالْمُكْتَحِلِ، وَلَا يَأْكُلُ مَا يُشْرَبُ عَلَيْهِ الْخَمْرُ، وَلَا مُخْتَلِطًا بِحَرَامٍ بِلَا ضَرُورَةٍ.

قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَمِنْ الْآدَابِ أَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا مُطْمَئِنًّا وَهَذَا خِلَافُ أَشْهَرِ التَّفْسِيرَيْنِ فِيمَا رَوَاهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ مُتَّكِئًا» أَيْ لَا آكُلُ أَكْلَ رَاغِبٍ فِي الدُّنْيَا مُتَمَكِّنٍ بَلْ آكُلُ مُسْتَوْفِزًا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَقَدْ فُسِّرَ ذَلِكَ بِالتَّرَبُّعِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّجَبُّرِ.

وَعَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّمَا أَنَا عَبْدٌ أَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ، وَآكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ» وَفُسِّرَ الِاتِّكَاءُ بِالْمَيْلِ عَلَى الْجَنْبِ، وَالِاسْتِنَادِ إلَى شَيْءٍ وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ عُرْفًا وَهُوَ يَضُرُّ مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ لِتَغَيُّرِ الْأَعْضَاءِ، وَالْمَعِدَةِ عَنْ الْوَضْعِ الطَّبِيعِيِّ وَلَا يَصِلُ الْغِذَاءُ بِسُهُولَةٍ.

وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَكْلُ الرَّجُلِ مُتَّكِئًا يَدُلُّ عَلَى اسْتِخْفَافِهِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ فِيمَا قَدَّمَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رِزْقِهِ وَفِيمَا يَرَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى تَنَاوُلِهِ، وَيُخَالِفُ عَوَائِدَ النَّاسِ عِنْدَ أَكْلِهِمْ الطَّعَامَ مِنْ الْجُلُوسِ إلَى أَنْ يَتَّكِئَ فَإِنَّ هَذَا يَجْمَعُ بَيْنَ سُوءِ الْأَدَبِ، وَالْجَهْلِ وَاحْتِقَارِ النِّعْمَةِ، وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَّكِئًا لَا يَصِلُ الْغِذَاءُ إلَى قَعْرِ الْمَعِدَةِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْهَضْمِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَبَّهَ عَلَى كَرَاهَتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>