وَهُوَ يَشْبَعُ؟ قَالَ مَا أَرَى.، وَالْمُرَادُ بِهَذَا النَّصِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الشِّبَعُ الْكَثِيرُ، وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ الْأَوَّلِ مَنْ يَأْكُلُ يَسِيرًا يَحْصُلُ لَهُ بِهِ أَدْنَى شِبَعٍ.
وَقَوْلُ الْأَصْحَابِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَلَوْ أَكَلْت كَثِيرًا لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ أَيْ زِيَادَةٌ عَلَى الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ لَا مُطْلَقًا، فَإِنَّ أَكْلَ الْمَتْخُومِ أَوْ الْأَكْلَ الْمُفْضِيَ إلَى تُخَمَةٍ سَبَبٌ لِمَرَضِهِ وَإِفْسَادِ بَدَنِهِ وَهُوَ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ فِي غَيْرِ فَائِدَةٍ فِي مَضَرَّةٍ بَلْ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَكْلِ فَوْقَ مُطْلَقِ الشِّبَع فَإِنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى ذَلِكَ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْأَكْلَ مِنْ الْمَيْتَةِ فَوْقَ الشِّبَعِ لَا يَجُوزُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَكْلَ فَوْقَ مُطْلَقِ الشِّبَعِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ يَجُوزُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ هَذِهِ الصُّورَةِ فَائِدَةٌ، وَقَدْ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَلَوْ أَكَلَ كَثِيرًا بِحَيْثُ لَا يُؤْذِيهِ جَازَ وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ وَكَثْرَةُ الْأَكْلِ مِنْ حَيْثُ يُخَافُ مِنْهُ التُّخَمَةُ مَكْرُوهٌ.
وَذَكَرَ صَاحِبُ النَّظْمِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشِّبَعِ وَإِنَّهُ يُكْرَهُ الْإِسْرَافُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَوْ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ يَقُولُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ لَمَّا جَاءَهُ قَدَحٌ مِنْ لَبَنٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ أَهْلَ الصُّفَّةِ فَسَقَاهُمْ، ثُمَّ قَالَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ اشْرَبْ فَشَرِبَ، ثُمَّ أَمَرَهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا حَتَّى قَالَ وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَجِدُ لَهُ مَسَاغًا» .
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَطَبَ يَوْمًا فَقَالَ: إيَّاكُمْ، وَالْبِطْنَةَ فَإِنَّهَا مُكْسِلَةٌ عَنْ الصَّلَاةِ مُؤْذِيَةٌ لِلْجِسْمِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ فِي قُوتِكُمْ فَإِنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْأَشَرِ وَأَصَحُّ لِلْبَدَنِ وَأَقْوَى عَلَى الْعِبَادَةِ، وَإِنَّ امْرَأً لَنْ يَهْلِكَ حَتَّى يُؤْثِرَ شَهْوَتَهُ عَلَى دِينِهِ.
وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْمَعِدَةُ حَوْضُ الْبَدَنِ، وَالْعُرُوقُ وَارِدَةٌ عَلَيْهَا وَصَادِرَةٌ عَنْهَا فَإِذَا صَحَّتْ صَدَرَتْ الْعُرُوقُ عَنْهَا بِالصِّحَّةِ، وَإِذَا سَقِمَتْ صَدَرَتْ الْعُرُوقُ بِالسَّقَمِ.
وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ اثْنَتَانِ يُقَسِّيَانِ الْقَلْبَ كَثْرَةُ الْكَلَامِ وَكَثْرَةُ الْأَكْلِ وَقَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ لَا تَأْكُلْ شَيْئًا عَلَى شِبَعٍ فَإِنَّك إنْ تَتْرُكَهُ لِلْكَلْبِ خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَأْكُلَهُ.
وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute