فَوْقَ الشِّبَعِ؛ لِكَيْ لَا يَكُونَ دَاخِلًا فِي جُمْلَةِ مَنْ أَسَاءَ الْقِرَى وَإِسَاءَةُ الْقِرَى مَذْمُومَةٌ شَرْعًا، وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ الْمَشَايِخَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: وَمِنْ السَّرَفِ أَنْ يُلْقَى عَلَى الْمَائِدَة مِنْ الْخُبْزِ أَضْعَافُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْآكِلُونَ.
وَمِنْ السَّرَف أَنْ يَضَعَ لِنَفْسِهِ أَلْوَانَ الطَّعَامِ، وَيُكْرَهُ تَعْلِيقُ الْخُبْزِ عَلَى الْخِوَانِ بَلْ يُوضَعُ بِحَيْثُ لَا يَتَعَلَّقُ، وَيُكْرَهُ وَضْعُ الْخُبْزِ فِي جَنْبِ الْقَصْعَةِ لِتَسْتَوِيَ الْقَصْعَةُ وَيُكْرَهُ مَسْحُ الْأَصَابِعِ وَالسِّكِّينِ فِي الْخُبْزِ، وَيُكْرَهُ وَضْعُ الْمَمْلَحَةِ عَلَى الْخُبْزِ بَلْ يُوضَعُ الْمِلْحُ وَحْدَهُ عَلَى الْخُبْزِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَأْكُلَ مَا انْتَفَخَ مِنْ الْخُبْزِ وَوَجْهَهُ وَيَتْرُكَ الْبَاقِيَ، وَمَتَى أَذْهَبَ طَيِّبَاتِهِ فِي حَيَاتِهِ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعَ بِهَا ذَهَبَتْ دَرَجَاتُهُ فِي الْآخِرَةِ انْتَهَى كَلَامُهُمْ.
وَقَدْ وَرَدَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَا ظَاهِرُهُ مُوَافِقٌ لِمَا ذُكِرَ فِي الْمَسْأَلَة الْأَخِيرَةِ.
وَرَوَى مُسْلِمُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْكَافِرَ إذَا عَمِلَ حَسَنَةً أُطْعِمَ بِهَا فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَإِنَّ اللَّهَ يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ فِي الْآخِرَةِ وَيُعْقِبُهُ رِزْقًا فِي الدُّنْيَا عَلَى طَاعَتِهِ» قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْمُؤْمِنُ يُدَّخَرُ لَهُ حَسَنَاتُهُ وَثَوَابُ أَعْمَالِهِ إلَى الْآخِرَةِ وَيُجْزَى بِهَا مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الدُّنْيَا وَلَا مَانِعَ مَنْ جَزَائِهِ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فَيَجِبُ اعْتِقَادُهُ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُصِيبُونَ الْغَنِيمَةَ إلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ مِنْ الْآخِرَةِ وَيَبْقَى لَهُمْ الثُّلُثُ وَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً تَمَّ لَهُمْ الْأَجْرُ» حَمَلَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَالَ: وَتَكُونُ هَذِهِ الْغَنِيمَةُ مَنْ جُمْلَةِ الْأَجْرِ قَالَ: وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَقَوْلِهِمْ: مِنَّا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَأْكُلْ مَنْ أَجْرِهِ شَيْئًا وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدُبُهَا أَيْ يَجْتَنِيهَا.
وَذَكَرَ فِيهِ أَقْوَالًا وَضَعَّفَهَا وَقَالَ: إنَّ هَذَا الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَاخْتَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَعْنَاهُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْخَبَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute