كَأَنَّهُ أَرَادَ لَا يَتَحَرَّكَنَّ فِي قَلْبِكَ شَكٌّ أَنَّ مَا شَابَهْتَ فِيهِ النَّصَارَى حَرَامٌ أَوْ خَبِيثٌ أَوْ مَكْرُوهٌ وَذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ فِي بَابِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَعَ اللَّامِ ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ نَظِيفٌ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَسِيَاقُ الْأَحَادِيث لَا يُنَاسِبُ هَذَا التَّفْسِيرَ.
قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: وَلَا يَرْفَعُ يَدَهُ حَتَّى يَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ مِنْهُمْ الِانْبِسَاطَ إلَيْهِ وَلَا يَتَكَلَّفُ ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجْعَلَ مَاءُ الْأَيْدِي فِي طَسْتٍ وَاحِدٍ لِمَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ «لَا تُبَدِّدُوا يُبَدِّدْ اللَّهُ شَمْلَكُمْ» وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُرْفَعَ الطَّسْتُ حَتَّى يَطِفَّ» يَعْنِي يَمْتَلِئَ كَذَا قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَدَلِيلُهَا ضَعِيفٌ إلَى أَنْ قَالَ: مِنْ الْأَدَبِ أَنْ لَا يَفْرِشَ الْمَائِدَةَ بِالْخُبْزِ وَيُوضَع فَوْقَهُ الْإِدَامُ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُسْتَدَلُّ عَلَى كَرَاهَةِ الِاغْتِسَالِ بِالْأَقْوَاتِ؛ بِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى خَلْطِهَا بِالْأَدْنَاسِ وَالْأَنْجَاسِ فَنَهَى عَنْهُ كَمَا نَهَى عَنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِهَا، وَالْمِلْحُ لَيْسَتْ قُوتًا وَإِنَّمَا يَصْلُحُ بِهَا الْقُوتُ نَعَمْ يَنْهَى فِي الِاسْتِنْجَاءِ عَنْ قُوتِ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ هَذَا لَا يُسْتَنْجَى بِالنُّخَالَةِ وَإِنْ غَسَلَ يَدَهُ بِهَا، فَأَمَّا إنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى اسْتِعْمَالِ الْقُوتِ، مِثْلَ الدَّبْغِ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ أَوْ التَّطَبُّبِ لِلْجَرَبِ بِاللَّبَنِ وَالدَّقِيقِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَخَّصَ فِيهِ كَمَا رُخِّصَ فِي قَتْلِ دُودِ الْقَزِّ بِالتَّشْمِيسِ؛ لِأَجَلِ الْحَاجَةِ إذْ لَا تَكُونُ حُرْمَةُ الْقُوتِ أَعْظَمَ مِنْ حُرْمَةِ الْحَيَوَانِ، وَبِهَذَا قَدْ يُجَابُ عَنْ الْمِلْحِ أَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ لِأَجَلِ الْحَاجَةِ.
وَعَلَى هَذَا فَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهَذَا الْأَصْلِ الشَّرْعِيِّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ إهَانَتِهَا بِوَضْعِ الْإِدَامِ فَوْقَهَا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ بِلَعْقِ الْأَصَابِعِ وَالصَّحْفَةِ وَأَخْذِ اللُّقْمَةِ السَّاقِطَةِ وَإِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْهَا» كُلُّ ذَلِكَ؛ لِئَلَّا يَضِيعَ شَيْءٌ مَنْ الْقُوتِ، وَالتَّدَلُّكُ بِهِ إضَاعَةٌ لَهُ لِقِيَامِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ وَهُوَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّبْذِيرِ الَّذِي هُوَ مِنْ فِعْلِ الشَّيْطَانِ. وَسُئِلْت عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَهُوَ غَسْلُ الْأَيْدِي بِالْمِسْكِ فَقُلْتُ: إنَّهُ إسْرَافٌ بِخِلَافِ تَتَبُّعِ الدَّمِ بِالْقَرْصَةِ الْمُمَسَّكَةِ فَإِنَّهُ يَسِيرٌ لِحَاجَةٍ وَهَذَا كَثِيرٌ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَاسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي غَيْرِ التَّطَيُّبِ وَغَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute