فَقُلْت يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَقْتُلُهَا؟ فَنَظَرَ إلَيْهَا فَقَالَ لِي لَا تَعْرِضْ لَهَا دَعْهَا. وَجَوَابُ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالنَّهْيِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عِنْدَهُ الْقَتْلُ قَبْلَ الْإِيذَانِ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ النَّهْي عِنْدَهُ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ حَيَّاتُ مَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُقْتَلُ إلَّا بَعْدَ الْإِنْذَارِ لِلْأَخْبَارِ وَيُسْتَحَبُّ قَتْلُ حَيَّاتِ غَيْرِهَا، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْتَلَ الْحَيَّةُ الْبَيْضَاءُ لِأَنَّهَا مِنْ الْجَانِّ وَقَالَ الطَّحَاوِيَّ لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْكُلِّ، وَالْأَوْلَى هُوَ الْإِنْذَارُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَنْهَى عَنْ قَتْلِ الْحَيَّاتِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبُيُوتِ إلَّا الْأَبْتَرَ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا اللَّذَانِ يَخْطِفَانِ الْبَصَرَ وَيَتَتَبَّعَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ.»
الطُّفْيَتَانِ بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ الْخَطَّانِ الْأَبْيَضَانِ عَلَى ظَهْرِ الْحَيَّةِ، وَأَصْلُ الطُّفْيَةِ خُوصَةُ الْمُقْلِ وَجَمْعُهَا طُفًى. شَبَّهَ الْخَطَّيْنِ عَلَى ظَهْرِهَا بِخُوصَتَيْ الْمُقْلِ، وَالْمَعْنَى يَخْطَفَانِ الْبَصَرَ وَيَطْمِسَانِهِ بِمُجَرَّدِ نَظَرِهِمَا إلَيْهِ لِخَاصَّةٍ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي بَصَرِهِمَا إذَا وَقَعَ عَلَى بَصَرِ الْإِنْسَانِ.
وَقِيلَ: يَقْصِدَانِ الْبَصَرَ بِاللَّسْعِ، وَالنَّهْشِ، وَفِي الْحَيَّاتِ نَوْعٌ يُسَمَّى النَّاظِرَ إذَا وَقَعَ نَظَرُهُ عَلَى عَيْنِ إنْسَانٍ مَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ.
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «إنَّ لِبُيُوتِكُمْ عُمَّارًا فَحَرِّجُوا عَلَيْهِنَّ ثَلَاثًا فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ فَاقْتُلُوهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَفِي لَفْظٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ " فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ " فِي لَفْظٍ لَهُ " فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ " وَلِأَبِي دَاوُد " ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَيْضًا " وَرَوَى هُوَ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادَيْنِ جَيِّدَيْنِ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ. وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ حَيَّاتِ الْبُيُوتِ فَقَالَ إذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُنَّ شَيْئًا فِي مَسَاكِنِكُمْ فَقُولُوا أَنْشُدُكُنَّ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُنَّ نُوحٌ، أَنْشُدُكُنَّ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُنَّ سُلَيْمَانُ أَلَّا تُؤْذُونَنَا، فَإِنْ عُدْنَ فَاقْتُلُوهُنَّ» . ابْنُ أَبِي لَيْلَى مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ ثَابِتٍ إلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.
وَالْعُمَّارُ الْحَيَّاتُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبُيُوتِ وَكَذَا الْعَوَامِرُ جَمْعُ عَامِرٍ وَعَامِرَةٍ قِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِطُولِ أَعْمَارِهَا وَاَلَّتِي فِي الصَّحْرَاءِ يَجُوزُ قَتْلُهَا بِدُونِ إنْذَارِهَا.
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute