{فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: ٣٦] .
عَزَّ عَلَيَّ بِقَوْمٍ فَأَتَتْهُمْ أَيَّامُ الْمَوَاسِمِ الَّتِي يَحْظَى فِيهَا قَوْمٌ بِأَنْوَاعِ الْأَرْبَاحِ، وَلَيْتَهُمْ خَرَجُوا مِنْهَا بِالْبَطَالَةِ رَأْسًا بِرَأْسٍ مَا قَنَعُوا حَتَّى جَعَلُوهَا مِنْ السَّنَةِ إلَى السَّنَةِ خَلْسًا لِاسْتِيفَاءِ اللَّذَّاتِ وَاسْتِلَامِ الشَّهَوَاتِ الْمَحْظُورَاتِ مَا بَالُ الْوُجُوهِ الْمَصُونَةِ فِي جُمَادَى هُتِكَتْ فِي رَجَبٍ بِحُجَّةِ الزِّيَارَاتِ {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [المائدة: ٥٠] {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: ١٣] نُوحَ.
وَقَالَ أَتَرَى بِمَاذَا تَتَحَدَّثُ عَنْك سَوَارِي الْمَسْجِدِ فِي الظُّلَمِ، وَأَفْنِيَةُ الْقُبُورِ، وَالْقِبَابِ، بِالْبُكَاءِ مِنْ خَوْفِ الْوَعِيدِ، وَالتَّذْكِرَةِ لِلْآخِرَةِ؟ بِنَظَرِ الْعِبْرَةِ إذَا تَحَدَّثَتْ عَنْ أَقْوَامٍ خَتَمُوا فِي بُيُوتِهِمْ الْخَتْمَاتِ وَصَانُوا الْأَهْلَ اتِّبَاعًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ «انْسَلَّ مِنْ فِرَاشِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إلَى الْمَسْجِدِ لَا جُمُوعَ وَلَا شُمُوعَ؟ طُوبَى لِمَنْ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ فَانْزَوَى إلَى زَاوِيَةِ بَيْتِهِ فَانْتَصَبَ لِقِرَاءَةِ جُزْءٍ فِي رَكْعَتَيْنِ بِتَدَبُّرٍ وَتَفَكُّرٍ» فَيَالَهَا مِنْ لَحْظَةٍ مَا أَصْفَاهَا مِنْ أَكْدَارِ الْمُخَالَطَاتِ وَأَقْذَارِ الرِّيَاءِ، غَدًا يَرَى أَهْلُ الْجُمُوعِ أَنَّ الْمَسَاجِدَ تَلْعَنُهُمْ، وَالْمَشَاهِدَ، وَالْمَقَابِرَ تَسْتَغِيثُ مِنْهُمْ.
يُبَكِّرُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: أَنَا صَائِمٌ، مَتَى أَفْلَحَ عُرْسُك حَتَّى يَكُونَ لَهُ صُبْحَةٌ؟ قُلْ لِي يَا مَنْ أَحْيَا فِي الْجَامِعِ بِأَيِّ قَلْبٍ رَجَعْت؟ مَاتَ وَاَللَّهِ قَلْبُك، وَعَابَتْ نَفْسُك، مَا أَخْوَفَنِي عَلَى مَنْ فَعَلَ هَذَا الْفِعْلَ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي أَنْ يَخَافَ فِي مَوَاطِنِ الْأَمْنِ، وَيَظْمَأَ فِي مَقَامَاتِ الرِّيِّ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ فَمَا ظَنُّك بِزَمَنِنَا هَذَا الَّذِي بَيْنَهُمَا نَحْوُ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ وَمَا يَجْرِي بِالشَّامِّ وَمِصْرَ، وَالْعِرَاقِ وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ فِي أَيَّامِ الْمَوَاسِمِ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثُ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «لَا يَأْتِي عَامٌ إلَّا وَاَلَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ» سَمِعْته مِنْ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ إنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ فِي حُصُولِ الْمُحَرَّمِ، وَالْمُنْكَرِ وَلَا بُدَّ حَرُمَ تَعَاطِيهِ وَدُخُولُهُ وَإِنْ ظَنَّ ذَلِكَ كُرِهَ، وَقَدْ يُقَالُ يَحْرُمُ فَإِنْ ظَنَّ مَعَ ذَلِكَ اشْتِمَالَهُ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنْ الْخَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute