للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَبْقَى بَعْدِي مِنْ النُّبُوَّةِ إلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ.» وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «لَا رَسُولَ بَعْدِي وَلَا نَبِيَّ قَالَ: فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: لَكِنْ الْمُبَشِّرَاتُ قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ قَالَ: رُؤْيَا الْمُسْلِمِ، وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ.» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: صَحِيحٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ أَوْ لَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي.» قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنَّ مَنْ رَآهُ فَقَدْ أَدْرَكَهُ وَلَوْ رَآهُ عَلَى خِلَافِ صِفَتِهِ أَوْ رَآهُ جَمَاعَةٌ فِي مَوَاضِعَ وَإِنْ غَلِطَ فِي بَعْضِ صِفَاتِهِ وَتَخَيَّلَ لَهَا عَلَى خِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَرْئِيِّ كَوْنُهُ مَوْجُودًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ أَنَّ رُؤْيَاهُ صَحِيحَةٌ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ «فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ» وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إذَا رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُ فِي مَنَامِهِ أَوْ نَهَاهُ، وَتَلْخِيصُهُ أَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ مَا تَقَرَّرَ فِي الْيَقَظَةِ شَرْعًا إجْمَاعًا نَظَرًا إلَى تَرْجِيحِ الدَّلِيلَيْنِ، وَأَمَّا مَا لَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْيَقَظَةِ فَهَلْ يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِهِ؟ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: فِي أَوَاخِرِ مُقَدِّمَةِ مُسْلِمٍ عَنْ قَوْلِ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ إنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَا سَمِعَهُ مِنْ أَبَانَ يَعْنِي ابْنَ عَيَّاشٍ فَمَا عَرَفَ مِنْهُ إلَّا شَيْئًا يَسِيرًا قَالَ: وَهَذَا وَمِثْلُهُ اسْتِئْنَاسٌ وَاسْتِظْهَارٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ ضَعْفِ أَبَانَ لَا أَنَّهُ يَقْطَعُ بِأَمْرِ الْمَنَامِ لَا أَنَّهُ يَبْطُلُ بِسَبَبِهِ سُنَّةٌ ثَبَتَتْ وَلَا يَثْبُت بِهِ سُنَّةٌ لَمْ تَثْبُتْ، وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ انْتَهَى كَلَامُهُ.

قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَاوِيُّ: وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ: مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فَنَقَلُوا الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُغَيَّرُ بِسَبَبِ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ مَا تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ وَلَا يُخَالِفُ هَذَا قَوْلَهُ: «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي» فَإِنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ رُؤْيَتَهُ صَحِيحَةٌ، وَلَيْسَتْ مِنْ أَضْغَاثِ الْأَحْلَامِ وَتَلَبُّسِ الشَّيْطَانِ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِهِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ النَّوْمِ لَيْسَتْ حَالَةَ ضَبْطٍ وَتَحْقِيقٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>