وَسُئِلَ مَا السَّبَبُ فِي أَنَّ الْفَرَجَ يَأْتِي عِنْدَ انْقِطَاعِ الرَّجَاءِ بِالْخَلْقِ؟ وَمَا الْحِيلَةُ فِي صَرْفِ الْقَلْبِ عَنْ التَّعَلُّقِ بِهِمْ وَتَعَلُّقِهِ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ سَبَبُ هَذَا تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ: تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ، وَتَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ، فَتَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ أَنَّهُ لَا خَالِقَ إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَسْتَقِلُّ شَيْءٌ سِوَاهُ بِإِحْدَاثِ أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ، بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ إذَا قَدَّرَ شَيْئًا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ شَرِيكٍ مُعَاوِنٍ وَضِدٍّ مَعْرُوفٍ، فَإِذَا طُلِبَ مِمَّا سِوَاهُ إحْدَاثُ أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ طُلِبَ مِنْهُمَا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ وَلَا يَقْدِرُ وَحْدَهُ عَلَيْهِ إلَى أَنْ قَالَ: فَالرَّاجِي مَخْلُوقًا طَالِبٌ بِقَلْبِهِ مَا يُرِيدُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَخْلُوقِ وَذَلِكَ الْمَخْلُوقُ عَاجِزٌ عَنْهُ.
ثُمَّ هَذَا مِنْ الشِّرْكِ الَّذِي لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَمِنْ كَمَالِ نِعْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ إلَى عِبَادِهِ أَنْ يَمْنَعَ تَحْصِيلَ مَطَالِبِهِمْ بِالشِّرْكِ حَتَّى يَصْرِفَ قُلُوبَهُمْ إلَى التَّوْحِيدِ، ثُمَّ إنْ وَحَّدَهُ الْعَبْدُ تَوْحِيدَ الْإِلَهِيَّةِ حَصَلَتْ لَهُ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلَى أَنْ قَالَ فَمِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُنْزِلَ بِهِمْ مِنْ الشِّدَّةِ وَالضَّرَرِ مَا يُلْجِئُهُمْ إلَى تَوْحِيدِهِ فَيَدْعُونَهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَيَرْجُونَهُ وَلَا يَرْجُونَ أَحَدًا سِوَاهُ، وَتَتَعَلَّقُ قُلُوبُهُمْ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ فَيَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ، وَحَلَاوَةِ الْإِيمَانِ، وَذَوْقِ طَعْمِهِ، وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الشِّرْكِ، مَا هُوَ أَعْظَمُ نِعْمَةً عَلَيْهِمْ مِنْ زَوَالِ الْمَرَضِ وَالْخَوْفِ وَالْجَدْبِ، أَوْ حُصُولِ الْيُسْرِ، أَوْ زَوَالِ الْعُسْرِ فِي الْمَعِيشَةِ.
فَإِنَّ ذَلِكَ لَذَّةٌ بَدَنِيَّةٌ وَنِعْمَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ قَدْ يَحْصُلُ مِنْهَا لِلْكَافِرِ أَعْظَمُ مِمَّا يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ. وَأَمَّا مَا يَحْصُلُ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ الْمُخْلِصِينَ لِلَّهِ وَالدِّينِ فَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِمَقَالٍ، أَوْ يَسْتَحْضِرَ تَفْصِيلَهُ بَالٌ، وَلِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ ذَلِكَ نَصِيبٌ بِقَدْرِ إيمَانِهِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: يَا ابْنَ آدَمَ لَقَدْ بُورِكَ لَكَ فِي حَاجَةٍ أَكْثَرْتَ فِيهَا مِنْ قَرْعِ بَابِ سَيِّدِكَ.
وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: إنَّهُ لَيَكُونُ لِي إلَى اللَّهِ حَاجَةٌ وَأَدْعُو فَيَفْتَحُ لِي مِنْ لَذِيذِ مَعْرِفَتِهِ وَحَلَاوَةِ مُنَاجَاتِهِ مَا لَا أُحِبُّ مَعَهُ أَنْ يُعَجِّلَ قَضَاءَ حَاجَتِي خَشْيَةَ أَنْ تَنْصَرِفَ نَفْسِي عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تُرِيدُ إلَّا حَظَّهَا فَإِذَا قُضِيَ انْصَرَفَتْ.
وَفِي بَعْضِ الْإِسْرَائِيلِيَّات: يَا ابْنَ آدَمَ الْبَلَاءُ يَجْمَعُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute