للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فُزْنَا بِالْمُلْكِ وَشَارَكْنَاك فِيمَا أَنْتَ فِيهِ، ثُمَّ أَمَرَ لِي بِمَالٍ فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَقَدْ زَلَلْتُ أَرْبَعَ زَلَّاتٍ وَقَالَ: حَدَّثَ بَعْضُهُمْ الْمَأْمُونَ فَقَالَ: اسْمَعْ أَيُّهَا الْأَمِيرُ فَقَالَ الْمَأْمُونُ: أَخْرِجُوهُ.

فَلَيْسَ هَذَا مِنْ سُمَّارِ الْمُلُوكِ وَحَدَّثَهُ الْحَسَنُ اللُّؤْلُؤِيُّ وَهُوَ خَلِيفَةٌ فَنَامَ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ: يَا غُلَامُ خُذْ بِيَدِهِ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ سُمَّارِ الْمُلُوكِ وَإِنَّمَا يَصْلُحُ أَنْ يُفْتِي فِي مُحْرِمٍ صَادَ ظَبْيًا.

وَقَالَ ابْنُ الْمُعْتَزِّ: أَشْقَى النَّاسِ بِالسُّلْطَانِ صَاحِبُهُ، كَمَا أَنَّ أَقْرَبَ الْأَشْيَاءِ إلَى النَّارِ أَسْرَعُهَا احْتِرَاقًا قَالَ الشَّاعِرُ:

إنَّ الْمُلُوكَ بَلَاءٌ حَيْثُمَا حَلُّوا ... فَلَا يَكُنْ لَكَ فِي أَفْنَائِهِمْ ظِلُّ

وَمَا تُرِيدُ بِقَوْمٍ إنْ هُمْ سَخِطُوا ... جَارُوا عَلَيْكَ وَإِنْ أَرْضَيْتَهُمْ مَلُّوا

وَإِنْ مَدَحْتَهُمْ ظَنُّوكَ تَخْدَعُهُمْ ... وَاسْتَثْقَلُوكَ كَمَا يُسْتَثْقَلُ الْكَلُّ

فَاسْتَغْنِ بِاَللَّهِ عَنْ أَبْوَابِهِمْ أَبَدًا ... إنَّ الْوُقُوفَ عَلَى أَبْوَابِهِمْ ذُلُّ

وَيُقَالُ: لَا تَغْتَرِرْ بِالْأَمِيرِ، إذَا غَشَّك الْوَزِيرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا تَثِقْ بِالْأَمِيرِ، إذَا خَانَك الْوَزِيرُ.

جَلَسَ مُعَاوِيَةُ يَأْخُذُ الْبَيْعَةَ عَلَى النَّاسِ بِالْبَرَاءِ مِنْ عَلِيٍّ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّا نُطِيعُ أَحْيَاءَكُمْ وَلَا نَبْرَأُ مِنْ أَمْوَاتِكُمْ فَالْتَفَتَ مُعَاوِيَةُ إلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فَقَالَ: يَا رَجُلُ فَاسْتَوْصِ بِهِ خَيْرًا.

وَكَانَ يُقَالُ: إذَا نَزَلْت مِنْ الْوَلِيِّ بِمَنْزِلَةِ الثِّقَةِ فَاعْزِلْ عَنْهُ كَلَامَ الْخَنَا وَالْمَلَقِ، وَلَا تُكْثِرَن لَهُ الدُّعَاءَ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ الْوَحْشَةَ. وَعَظِّمْهُ وَقَرِّرْهُ فِي النَّاسِ.

قَالَ الْفَرَزْدَقُ:

قُلْ لِمُبْصِرٍ وَالْمَرْءُ فِي دَوْلَةِ السُّلْطَانِ ... ؛ أَعْمَى مَادَامَ يُدْعَى أَمِيرَا

فَإِذَا زَالَتْ الْوِلَايَةُ عَنْهُ ... وَاسْتَوَى بِالرِّجَالِ كَانَ بَصِيرًا

كَانَ يُقَالُ: ثَلَاثَةٌ مَنْ عَازَّهُمْ رَجَعَتْ عِزَّتُهُ ذُلًّا، السُّلْطَانُ وَالْعَالِمُ وَالْوَالِدُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ: فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ لَهُ أَرْبَعَةٌ لَا يُسْتَحْيَا مِنْ خِدْمَتِهِمْ السُّلْطَانُ وَالْوَالِدُ وَالضَّيْفُ وَالدَّابَّةُ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي مَكَان آخَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>