فَالْعَارِفُ يَجْتَهِدُ فِي تَحْصِيلِ أَسْبَابِ الْإِجَابَةِ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يَمَلُّ وَلَا يَسْأَمُ وَيَجْتَهِدُ فِي مُعَامَلَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي غَيْرِ وَقْتِ الشِّدَّةِ فَإِنَّهُ أَنْجَحَ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «تَعَرَّفْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ.
وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ غَرِيبٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكَرْبِ فَلْيُكْثِرْ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ» .
فَهَذِهِ الْأُمُورُ يَنْظُرُ فِيهَا الْعَارِفُ وَيَعْلَمُ أَنَّ عَدَمَ إجَابَتِهِ إمَّا لِعَدَمِ بَعْضِ الْمُقْتَضَى أَوْ لِوُجُودِ مَانِعٍ فَيَتَّهِمُ نَفْسَهُ لَا غَيْرَهَا وَيَنْظُرُ فِي حَالِ سَيِّدِ الْخَلَائِقِ وَأَكْرَمِهِمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَيْفَ كَانَ اجْتِهَادُهُ فِي وَقْعَةِ بَدْرٍ وَغَيْرِهَا، وَيَثِقُ بِوَعْدِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْلِهِ:
{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: ٦٠] وَقَوْلِهِ: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: ١٨٦] وَلِيَعْلَمَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، وَأَنَّ مَنْ تَعَاطَى ذَلِكَ عَلَى خَيْرٍ وَلَا بُدَّ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يُجِبْ إلَى دَعَوْتِهِ حَصَلَ لَهُ مِثْلُهَا وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إلَّا آتَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إيَّاهَا وَصَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةٍ. قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ إذًا نُكْثِرُ قَالَ اللَّهُ أَكْثَرُ» وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ وَفِيهِ «إمَّا أَنْ يُعَجِّلَهَا أَوْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، أَوْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا» وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالدُّعَاءِ فِي الْجُمْلَةِ قَبْلَ آدَابِ الْقِرَاءَةِ وَلَهُ مُنَاسَبَةٌ بِهَذَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute