وَلَقَدْ سَئِمْت مَآرِبِي ... وَكَانَ أَطْيَبَهَا الْحَدِيثُ
إلَّا الْحَدِيثَ فَإِنَّهُ ... مِثْلُ اسْمِهِ أَبَدًا حَدِيثُ
وَبَعْضُ النَّاسِ يَتْرُكُ الصِّفَاتِ الْمَطْلُوبَةَ الَّتِي هِيَ سَبَبٌ لِحُصُولِ الرُّتَبِ الْعَالِيَةِ اتِّكَالًا عَلَى حَسَبِهِ وَنَسَبِهِ، وَفِعْلِ آبَائِهِ فَهَذَا أَعْمَى فَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ:
لَسْنَا وَإِنْ كَرُمَتْ أَوَائِلُنَا ... أَبَدًا عَلَى الْأَحْسَابِ نَتَّكِلُ
نَبْنِي كَمَا كَانَتْ أَوَائِلُنَا ... تَبْنِي وَنَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلُوا
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تَمَثَّلَ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ، وَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ فِي قَوْلِهِ:
يَا أَيُّهَا الْمَرْءُ كُنْ أَخَا أَدَبِ ... مِنْ عَجَمٍ كُنْت أَوْ مِنْ الْعَرَبِ
إنَّ الْفَتَى مَنْ يَقُولُ هَأَنَذَا ... لَيْسَ الْفَتَى مَنْ يَقُولُ كَانَ أَبِي
وَأَحْسَنَ ابْنُ الرُّومِيِّ فِي قَوْلِهِ:
فَلَا تَفْتَخِرْ إلَّا بِمَا أَنْتَ فَاعِلٌ ... وَلَا تَحْسَبَنَّ الْمَجْدَ يُورَثُ بِالنَّسَبِ
فَلَا لَا يَسُودُ الْمَرْءُ إلَّا بِفِعْلِهِ ... وَإِنْ عَدَّ آبَاءً كِرَامًا ذَوِي حَسَبِ
إذَا الْعُودُ لَمْ يُثْمِرْ وَإِنْ كَانَ شُعْبَةً ... مِنْ الثَّمَرَاتِ اعْتَدَّهُ النَّاسُ فِي الْحَطَبِ
وَقَدْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ فِي عَصَمَ: وَقَوْلُهُ: مَا وَرَاءَك يَا عِصَامُ؟ هُوَ اسْمُ حَاجِبِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَفِي الْمَثَلِ كُنْ عِصَامِيًّا وَلَا تَكُنْ عِظَامِيًّا يُرِيدُونَ بِهِ قَوْلُهُ:
نَفْسُ عِصَامٍ سَوَّدَتْ عِصَامَا ... وَصَيَّرَتْهُ مَلِكًا هُمَامَا
وَعَلَّمَتْهُ الْكَرَّ وَالْإِقْدَامَا
وَلِلْأَصْلِ تَأْثِيرٌ، وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: مَنْ طَابَ أَصْلُهُ حَسُنَ مَحْضَرُهُ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَحْتَجُّ لِتَرْكِهِ بِكِبَرِ السِّنِّ، أَوْ عَدَمِ الذَّكَاءِ، أَوْ الْقِلَّةِ وَالْفَقْرِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْ ذَلِكَ وَسْوَاسُ الشَّيْطَانِ يُثَبِّطُونَ بِهَا.