وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: هَلْ يَجِبُ إنْكَارُ الْمُغَطَّى؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ أَصَحُّهُمَا: يَجِبُ؛ لِأَنَّا تَحَقَّقْنَا الْمُنْكَرَ. (الثَّانِيَةُ) : لَا يَجِبُ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا أَظْهَرُوا الْخَمْرَ أُنْكِرَ عَلَيْهِمْ، وَإِذَا سَتَرُوهُ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُمْ، وَكَذَا فِي التَّرْغِيبِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ.
وَفِي مُعْتَقَدِ ابْنِ عَقِيلٍ: وَلَا يُكْشَفُ مِنْ الْمَعَاصِي مَا لَمْ يَظْهَرْ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: مَنْ تَسَتَّرَ بِالْمَعْصِيَةِ فِي دَارِهِ، وَأَغْلَقَ بَابَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُتَجَسَّسَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ مَا يَعْرِفُهُ كَأَصْوَاتِ الْمَزَامِيرِ وَالْعِيدَانِ فَلِمَنْ سَمِعَ ذَلِكَ أَنْ يَدْخُلَ وَيُكَسِّرَ الْمَلَاهِيَ، وَإِنْ فَاحَتْ رَوَائِحُ الْخَمْرِ، فَالْأَظْهَرُ جَوَازُ الْإِنْكَارِ وَسَيَأْتِي كَلَامُ ابْنُ عَقِيلٍ فِيهِ فِي فُصُولِ اللِّبَاسِ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَالتَّجَسُّسُ الْبَحْثُ عَنْ عَيْبِ الْمُسْلِمِينَ وَعَوْرَاتِهِمْ، فَالْمَعْنَى لَا يَبْحَثُ أَحَدُكُمْ عَنْ عَيْبِ أَخِيهِ لِيَطَّلِعَ عَلَيْهِ إذَا سَتَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: هَذَا الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ تَقْطُرُ لِحْيَتُهُ خَمْرًا قَالَ: إنَّا نُهِينَا عَنْ التَّجَسُّسِ، فَإِنْ يَظْهَرُ لَنَا شَيْءٌ نَأْخُذُ بِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ الْعَاقُولِيِّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ الرَّجُلِ يَسْمَعُ صَوْتَ الطَّبْلِ وَالْمِزْمَارِ لَا يَعْرِفُ مَكَانَهُ، فَقَالَ: وَمَا عَلَيْكَ وَمَا غَابَ عَنْكَ؟ فَلَا تُفَتِّشْ. وَنَقَلَ يُوسُفُ وَغَيْرُهُ وَمَا عَلَيْكَ إذَا لَمْ تَعْرِفْ مَكَانَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَرْبٍ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ يَسْمَعُ الْمُنْكَرَ فِي دَارِ بَعْضِ جِيرَانِهِ، قَالَ: يَأْمُرُهُ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ يَجْمَعُ عَلَيْهِ وَيُهَوِّلُ عَلَيْهِ.
وَنَقَلَ جَعْفَرٌ فِيمَنْ يَسْمَعُ صَوْتَ الْغِنَاءِ فِي الطَّرِيقِ. قَالَ: هَذَا قَدْ ظَهَرَ، عَلَيْهِ أَنْ يَنْهَاهُمْ وَرَأْي أَنْ يُنْكِرَ الطَّبْلَ يَعْنِي إذَا سَمِعَ صَوْتَهُ. وَقِيلَ لَهُ: مَرَرْنَا بِقَوْمٍ قَدْ أَشْرَفُوا مِنْ عِلِّيَّةٍ لَهُمْ يُغَنُّونَ فَجِئْنَا صَاحِبَ الْخَبَرِ أَخْبَرْنَاهُ فَقَالَ: لَمْ تَكَلَّمُوا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سَمِعْتُمْ؟ فَقِيلَ: لَا، قَالَ: كَانَ يُعْجِبُنِي أَنْ تَكَلَّمُوا، ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّ النَّاسَ كَانُوا يَجْتَمِعُونَ وَكَانُوا يُشْهِرُونَ. وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ أَنَّهُ لَزِمَ الْقَادِرَ الْحُضُورُ وَالْإِنْكَارُ، وَإِلَّا لَمْ يَحْضُرْ وَانْصَرَفَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute