للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَتْ الْهَدِيَّةُ مِنْ الصَّغِيرِ إلَى الْكَبِيرِ فَكُلَّمَا لَطُفَتْ كَانَتْ أَبْلَغَ وَأَوْصَلَ، فَإِذَا كَانَتْ مِنْ الْكَبِيرِ إلَى الصَّغِيرِ فَكُلَّمَا عَظُمَتْ كَانَ أَجْزَلَ لَهَا وَأَخْطَرَ.

وَكَتَبَ الْحَسَنُ بْنُ سُهَيْلٍ إلَى أَخٍ لَهُ يُعَزِّيهِ مَدَّ اللَّهُ فِي عُمُرِكَ مَوْفُورًا غَيْرَ مُنْتَقِصٍ، وَمَمْنُوحًا غَيْرَ مُمْتَحِنٍ، وَمُعْطٍ غَيْرَ مُسْتَلِبٍ. وَعَزَّى أَبُو الْعَتَاهِيَةِ الْفَضْلَ بْنَ الرَّبِيعِ بِابْنِهِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنَا نُعَزِّيكَ عَنْهُ وَلَا نُعَزِّيهِ عَنْكَ فَدَعَا بِالطَّعَامِ وَقَدْ كَانَ امْتَنَعَ مِنْهُ.

وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ أَطَالَ اللَّهُ فِي دَوَامِ الْعِزِّ وَالْكَرَامَةِ بَقَاءَكَ، وَأَسْبَغَ النِّعْمَةَ مُدَّتَكَ، وَأَحَاطَ الدِّينَ وَالْمُرُوءَةَ بِحِفْظِهِ دَوْلَتَكَ، وَجَعَلَ إلَى خَيْرِ عَوَاقِبِ الْأُمُورِ عَاقِبَةَ أَمْرِكَ، وَعَلَى الرُّشْدِ وَالتَّوْفِيقِ وَاقِعَ قَوْلِكَ وَفِعْلِكَ، وَلَا أَخْلَى مِنْ السُّلْطَانِ مَكَانَكَ، وَمِنْ الرِّفْعَةِ مَنْزِلَتَكَ.

وَكَتَبَ أَيْضًا وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، رَاغِبًا إلَيْهِ بِسَرِيرَةٍ يَعْلَمُ صِحَّتَهَا، وَنِيَّةٍ يَشْهَدُ عَلَى صِدْقِهَا أَنْ يَشْفَعَ إحْسَانَهُ إلَيَّ وَجَمِيلَ بَلَائِهِ لَدَيَّ، بِطُولِ بَقَائِكَ، إمْتَاعِي بِمَا وُهِبَ لِي مِنْ رَبِّكَ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ دُونَ الْهَوَى، وَتَمَامُ شُرُوطِ الْوُدِّ دُونَ التَّجَاوُزِ وَالْإِغْضَاءِ. وَكَتَبَ أَيْضًا: أَرَاك اللَّهُ فِي وَلِيِّكَ مَا يَسُرُّكَ بِهِ، وَفِي عَدُوِّكَ مَا يَعْطِفُكَ عَلَيْهِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَمِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي الْبَلَاغَةِ مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الْكَاتِبُ وَلَقَدْ كَانَ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ يَقُولُ إنَّ رَسَائِلَهُ تُطْرِبُنِي كَمَا يُطْرِبُنِي الْغِنَاءُ، فَمِنْ مُسْتَحْسَنِ فُصُولِهِ وَرَسَائِلِهِ فَصْلٌ لَهُ يُعَزِّيهِ: وَمَنْ صَدَّقَ نَفْسَهُ هَانَتْ عَلَيْهِ الْمَصَائِبُ، وَعَلِمَ أَنَّ الْبَاقِيَ تَبَعٌ لِلْمَاضِي، حَتَّى يَرِثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَهُوَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ، وَلَهُ لِي أَبِي نَجْدَةَ الشَّاعِرِ: أَمَّا الشِّعْرُ فَلَسْنَا نُسَاجِلُكَ فِيهِ، وَلَا نَرْكَبُ مِضْمَارَكَ فِيمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ مِنْهُ، إلَى أَنْ قَالَ لِأَنَّا نَرَى الِاعْتِرَافَ لِلْمُبْرِزِ فَضِيلَةً، وَغُمُوضَ حَقِّهِ نَقِيصَةً، وَلَهُ أَيْضًا قَدْ انْقَضَتْ أَيَّامُ أَهْلِ الْأَدَبِ وَأَفْلَتَ نُجُومُهُمْ، حَتَّى صَارُوا غُرَبَاءَ فِي أَوْطَانِهِمْ، مُنْقَطِعِي الْوَصْلِ وَالْوَسَائِلِ، تَرْتَدُّ عَنْهُمْ الْأَبْصَارُ، وَتَنْبُو عَنْهُمْ الْقُلُوبُ، وَإِذَا شَامُوا مُخَيِّلَةً مِثْلَكَ مِمَّنْ يُحْسِنُ تَأَلُّفَهُمْ وَرِفْدَهُمْ، وَيَرْعَى وَسَائِلَهُمْ ثَلِجَتْ صُدُورُهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>