للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَنْجَحَ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَإِنَّمَا الْإِشَارَةُ إلَى مَا ذَكَرْتُ مِنْ التَّشَاغُلِ بِكَثْرَةِ الطُّرُقِ وَالْغَرَائِبِ فَيَفُوتُ الْفِقْهُ.

وَذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا إلَى أَنْ قَالَ: وَقَدْ أَوْغَلَ خَلْقٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي كِتَابَةِ طُرُقِ الْمَنْقُولَات، فَشَغَلَهُمْ عَنْ مَعْرِفَةِ الْوَاجِبَاتِ، حَتَّى إنَّ أَحَدَهُمْ يُسْأَلُ عَنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَلَا يَدْرِي، لَا بَلْ قَدْ أَثَّرَ هَذَا فِي الْقُدَمَاءِ، ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ أَنَّ امْرَأَةً وَقَفَتْ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو خَيْثَمَةَ وَخَلَفُ بْنُ سَالِمٍ فِي جَمَاعَةٍ يَتَذَاكَرُونَ الْحَدِيثَ، فَسَأَلَتْهُمْ عَنْ الْحَائِضِ تُغَسِّلُ الْمَوْتَى وَكَانَتْ غَاسِلَةً، فَلَمْ يُجِبْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَنْظُرُ إلَى بَعْضٍ، فَأَقْبَلَ أَبُو ثَوْرٍ فَقَالُوا لَهَا: عَلَيْك بِالْمُقْبِلِ، فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ: نَعَمْ تُغَسِّلُ الْمَيِّتَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَمَا إنَّ حَيْضَتَك لَيْسَتْ فِي يَدِك» وَلِقَوْلِهَا: «كُنْت أَفْرُقُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَاءِ وَأَنَا حَائِضٌ» قَالَ أَبُو ثَوْرٍ: فَإِذَا فَرَقَتْ رَأْسَ الْحَيِّ فَالْمَيِّتُ بِهِ أَوْلَى، قَالُوا: نَعَمْ رَوَاهُ فُلَانٌ وَحَدَّثَنَا بِهِ فُلَانٌ وَنَعْرِفُهُ مِنْ طَرِيقِ كَذَا، وَخَاضُوا فِي الطُّرُقِ وَالرِّوَايَاتِ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: فَأَيْنَ كُنْتُمْ إلَى الْآنَ.

قَالَ: وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَكَابِرِهِمْ يَسْتَحِي مِنْ رَدِّ الْفُتْيَا فَيُفْتِي بِمَا لَا يَحْسُنُ ذِكْرُهُ حَتَّى إنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ عَلِيَّ بْنَ دَاوُد وَفِي مَجْلِسِهِ نَحْوُ أَلْفِ رَجُلٍ فَقَالَتْ: إنِّي حَلَفْت بِصَدَقَةِ إزَارِي؟ فَقَالَ: بِكَمْ اشْتَرَيْته فَقَالَتْ: بِاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا قَالَ: صُومِي اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، فَلَمَّا ذَهَبَتْ جَعَلَ يَقُولُ آهٍ غَلِطْنَا وَاَللَّهِ، أَمَرْنَاهَا بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، حَكَاهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ.

ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ قَالَ: كُتِبَ إلَى أَبِي ثَوْرٍ لَمْ يَزَلْ هَذَا الْأَمْرُ فِي أَصْحَابِك حَتَّى شَغَلَهُمْ عَنْهُ إحْصَاءُ عَدَدِ رُوَاةِ «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا» فَغَلَبَهُمْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي (صَيْدِ الْخَاطِرِ) : فَهُوَ كَمَا قَالَ الْحُطَيْئَةُ:

زَوَامِلُ لِلْأَخْبَارِ لَا عِلْمَ عِنْدَهَا ... بِمُتْقَنِهَا إلَّا كَعِلْمِ الْأَبَاعِرِ

لَعَمْرُك مَا يَدْرِي الْبَعِيرُ إذَا غَدَا ... بِأَوْسَاقِهِ أَوْ رَاحَ مَا فِي الْغَرَائِرِ

ثُمَّ ذَكَرَ الْعُلُومَ وَقَالَ: إنَّ الْفِقْهَ عَلَيْهِ مَدَارُ الْعُلُومِ، فَإِنْ اتَّسَعَ الزَّمَانُ

<<  <  ج: ص:  >  >>