للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ إنَّمَا هُوَ لِتَأْثِيرِهِ عَلَى أَسْنَانِهِ حَبْرَةٌ يُقَالُ إذَا كَثُرَتْ فِيهَا الصُّفْرَةُ حَتَّى تَضْرِبَ إلَى السَّوَادِ قَالَ مُحَمَّدُ بْن يَزِيدَ: وَأَنَا أَحْسَبُ أَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ حِبْرًا لِأَنَّهُ تُحْبَرُ بِهِ الْكُتُبُ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: مِنْ حُسْنِ تَقْدِيرِ الْكَاتِبِ أَلَّا يُفَرِّقَ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ فِي سَطْرٍ، وَكَذَا أَعَزَّهُ اللَّهُ، وَكَذَا أَحَدَ عَشَرَ لِأَنَّهُ كَاسْمٍ وَاحِدٍ، وَيُسْتَحْسَنُ الْمَشْقُ فِي الشِّينِ وَالسِّينِ إلَّا فِي أَوَاخِرِ الْكَلِمِ نَحْوَ النَّاسِ، وَأَصْلُ الْمَشْقِ فِي اللُّغَةِ الْخِفَّةُ، يُقَالُ: مَشَقَ بِالرُّمْحِ وَمَشَقَ الرَّجُلُ الرَّغِيفَ إذَا أَكَلَهُ أَكْلًا خَفِيفًا، فَمَعْنَى مَشَقَ الْكَاتِبُ إذَا خَفَّفَ يَدَهُ، وَهَذَا اخْتِيَارٌ مُحْدَثٌ، وَأَمَّا رُؤَسَاءُ الْكُتَّابِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَكَانُوا يَكْرَهُونَ الْمَشْقَ كُلَّهُ وَإِرْسَالَ الْيَدِ وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: هُوَ لِلْمُبْتَدِي مَفْسَدَةٌ لِخَطِّهِ وَدَلِيلٌ عَلَى تَهَاوُنِهِ بِمَا يَكْتُبُهُ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ أَنْ يَكْتُبَ بِسْمِ اللَّهِ بِغَيْرِ سِينٍ.

وَيَسْتَحْسِنُونَ إذَا تَوَالَتْ السِّينُ وَالشِّينُ فِي كَلِمَةٍ أَنْ يُقَدِّرَ الْكَاتِبُ فَصْلًا بِمَدَّةٍ. وَيَسْتَحْسِنُونَ فِي كِتَابَةِ نَحْوِ بَيْنَ أَنْ يَرْفَعَ الْوُسْطَى مِنْ الثَّلَاثِ فَرْقًا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ السِّينِ وَالشِّينِ، وَيَسْتَحِبُّونَ أَنْ تَكُونَ الْكَافُ غَيْرَ مَشْقُوقَةٍ إذَا كَانَتْ طَرَفًا عِنْدهمْ، وَيُحِبُّونَ تَعْلِيمَهَا إذَا كَانَتْ مُتَوَسِّطَةً وَلَا تُعَلَّم إذَا كَانَتْ طَرَفًا، وَيَسْتَحِبُّونَ أَنْ تَكُونَ الْأَلْفَاظُ سَهْلَةً سَمْحَةً غَيْرَ بَشِعَةٍ.

وَمِمَّا يَسْتَحْسِنُونَ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْدِيٍّ تَوْقِيعُهُ إلَى كَاتِبِهِ: إيَّاكَ وَالتَّتَبُّعَ لِحُوشِيِّ الْكَلَامِ طَمَعًا فِي نَيْلِ الْبَلَاغَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْعِيُّ الْأَكْبَرُ، وَعَلَيْك بِمَا يَسْهُلُ مَعَ تَجَنُّبِك لِلْأَلْفَاظِ السُّفْلَى. وَكَذَا مَا رُوِيَ مِنْ صِفَةِ يَحْيَى بْنِ زِيَادٍ الْكَاتِبِ فَإِنَّهُ قَالَ: أَخَذَ بِذِمَامِ الْكَلَامِ فَقَادَهُ أَسْهَلَ مُقَادٍ، وَسَاقَهُ أَحْسَنَ مَسَاقٍ، فَاسْتَرْجَعَ بِهِ الْقُلُوبَ النَّافِرَةَ، وَاسْتَصْرَفَ بِهِ الْأَبْصَارَ الطَّامِحَةَ.

قَالَ الْجَاحِظُ: لَمْ أَرَ قَوْمًا أَمْثَلَ طَبَقَةً فِي الْبَلَاغَةِ مِنْ الْكُتَّابِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ الْتَمِسُوا مَا لَمْ يَكُنْ مُتَوَعِّرًا مِنْ الْأَلْفَاظِ حُوشِيًّا، وَلَا سَاقِطًا عَامِّيًّا.

وَقَالَ مُحَمَّدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>