للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَانُوا فِي قُبَّةٍ: مَا هَذَا الَّذِي عَلَى صَدْرِك؟ فَطَأْطَأَ الرَّاهِبُ رَأْسَهُ يَنْظُرُ إلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّفِيهُ فَصَفَعَهُ صَفْعَةً عَلَا حِسُّهَا عُلُوًّا شَدِيدًا ثُمَّ قَالَ لِلرَّاهِبِ: أَهَذَا الْحِسُّ مِنْ سَاحِلِك أَمْ مِنْ يَدِي أَمْ مِنْ الْقُبَّةِ قَالَ: فَأُفْحِمَ الرَّاهِبُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ جَوَابًا.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُلْمَ بِضَمِّ الْحَاءِ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ تَقُولُ مِنْهُ حَلَمَ وَاحْتَلَمَ وَتَقُولُ حَلَمْت بِكَذَا وَحَلَمْته أَيْضًا، وَالْحِلْمُ بِالْكَسْرِ الْأَنَاةُ تَقُولُ مِنْهُ حَلُمَ الرَّجُلُ بِالضَّمِّ، وَتَحَلَّمَ تَكَلَّفَ الْحِلْمَ قَالَ الشَّاعِرُ:

تَحَلَّمْ عَنْ الْأَدْنَيْنِ وَاسْتَبِقْ وُدَّهُمْ ... وَلَنْ تَسْتَطِيعَ الْحِلْمَ حَتَّى تَحَلَّمَا

وَتَحَالَمَ أَيْ رَأَى مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِهِ. وَحَلَّمْت الرَّجُلَ تَحْلِيمًا جَعَلْته حَلِيمًا. وَالْمُحَلِّمُ الَّذِي يَأْمُرُ بِالْحِلْمِ. وَالْحَلَمُ بِالتَّحْرِيكِ يَدَانِ تُفْسِدُ الْإِهَابَ تَقُولُ مِنْهُ حَلِمَ الْأَدِيمُ بِالْكَسْرِ.

وَيَنْبَغِي لِمَنْ اسْتَعَانَ بِسَيْفِهِ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى يَدَيْهِ وَلَا يُطْلِقُ عِنَانَهُ وَيُسَلِّطَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ ضَرَرُهُ أَكْثَرَ مِنْ نَفْعِهِ لَا سِيَّمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِرَةِ وَرُبَّمَا انْتَشَرَ الْفَسَادُ وَعَظُمَ وَتَعِبَ الْكَبِيرُ فِي اسْتِدْرَاكِهِ، وَقَدْ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فَقَطْعُ هَذَا مِنْ الِابْتِدَاءِ هُوَ الْوَاجِبُ وَهَذَا أَمْرٌ وَاضِحٌ مَعْلُومٌ لَا يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ نَظَرَ فِيهِ.

وَقَدْ قَالَ جَرِيرُ الشَّاعِرُ الْمَشْهُورُ:

أَبَنِي حَنِيفَةَ أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ ... إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ أَغْضَبَا

وَسَبَقَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا بِكَرَارِيسَ فِي ذِكْرِ مَنَاقِبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بَعْدُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِطَاعَةِ الْوَالِي وَغَيْرِهِ وَفِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى السُّلْطَانِ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «حَسْبُ الْمَرْءِ دِينُهُ وَكَرَمُهُ تَقْوَاهُ وَمُرُوءَتُهُ عَقْلُهُ» وَيُرْوَى نَحْوُ هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَعَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>