فِي هَذَا فَقِيلَ: هُوَ دُعَاءٌ، وَقِيلَ: هُوَ خَبَرٌ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَيُّمَا كَانَ حَصَلَ الْمَقْصُودُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مُصَدَّقٌ وَحَقٌّ وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْإِرْشَادِ فِي مَسْأَلَةِ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ: وَدَعْوَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ مَرْدُودَةٍ وَزِيَادَةُ لَفْظَةِ " فِي الدُّنْيَا " تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ دُعَاءٌ لَكِنْ فِي صِحَّةِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ نَظَرٌ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ: التَّعْلِيمُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِهَؤُلَاءِ السَّلَاطِينِ، وَمِنْ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِرَجُلٍ مِنْ عَامَّةِ النَّاسِ فِي ضَيْعَةٍ، وَمِنْ أَنْ يَسْتَدِينَ وَيَتَّجِرَ لَعَلَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ فَيَلْقَى اللَّهَ عَنْ رَجُلٍ بِأَمَانَاتِ النَّاسِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ رَجُلٍ اسْتَدَانَ دَيْنًا عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ فَتَلِفَ الْمَالُ مِنْ يَدِهِ وَأَصَابَهُ بَعْضُ حَوَادِثِ الدُّنْيَا فَصَارَ مُعْدِمًا لَا شَيْءَ لَهُ فَهَلْ يُرْجَى لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عُذْرٌ وَخَلَاصٌ مِنْ دَيْنِهِ، إنْ مَاتَ عَلَى عَدَمِهِ وَلَمْ يَقْضِ دَيْنَهُ؟ فَقَالَ: إنَّ هَذَا عِنْدِي أَسْهَلُ مِنْ الَّذِي اخْتَانَ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى عَدَمِهِ فَهَذَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ، فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَحْتَمِلُ الْعِقَابَ وَالتَّرْكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى يُعَوِّضُ الْمَظْلُومَ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَوِّضُ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ بَعْضًا» .
وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَصْحَابُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عَلَى صِحَّةِ ضَمَانِ دَيْنِ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ كَوْنِ سَبَبِهِ مُحَرَّمًا أَوْ لَا، وَبَيْنَ التَّائِبِ وَغَيْرِهِ لِامْتِنَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّلَاةِ عَمَّنْ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ وَلَمْ يُخْلِفْ وَفَاءً حَتَّى ضَمِنَهَا أَبُو قَتَادَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَامْتَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دِينَارَانِ حَتَّى ضَمِنَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضَمِنَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا وَقَائِعُ، وَالظَّاهِرُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَصْدُ الْخَيْرِ وَنِيَّةُ الْأَدَاءِ وَأَنَّهُمْ عَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي قَتَادَةَ «الْآنَ بَرَّدْتَ عَلَيْهِ جِلْدَهُ» لَمَّا وَفَّى عَنْهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالطَّيَالِسِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَجَمَاعَةٌ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَفِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ، وَعِنْدَنَا يَجْتَمِعُ الْقَطْعُ وَالضَّمَانُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute