الْمَهْرِيُّ أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيَّ سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَلْقَاهُ بِهَا عَبْدٌ بَعْدَ الْكَبَائِرِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا أَنْ يَمُوتَ رَجُلٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَدَعُ لَهُ قَضَاءً» .
كَذَا فِي نُسْخَةٍ " إنَّ أَعْظَمَ " وَفِي نُسْخَةٍ " إنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ تَفَرَّدَ عَنْهُ سَعِيدٌ فَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُعْرَفُ لَكِنْ سَعِيدُ مِنْ الثِّقَاتِ الَّذِينَ رَوَى لَهُمْ الْجَمَاعَةُ. وَاَللَّه أَعْلَمُ، وَقَدْ يُقَالُ: وَالْأَخْبَارُ السَّابِقَةُ عَامَّةٌ وَإِخْرَاجُ هَذَا الْفَرْدِ مِنْهَا يَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، وَلِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يُسْقِطُهُ بِدَلِيلِ صِحَّةِ ضَمَانِهِ، وَلَوْ تَبَرَّعَ إنْسَانٌ بِقَضَائِهِ جَازَ لِرَبِّ الدَّيْنِ قَبْضُهُ، وَلِأَنَّ مَنْ ضَمِنَ مُفْلِسًا حَيًّا لَا يَبْرَأُ بِمَوْتِهِ وَلَوْ بَرِئَ الْمَضْمُونُ بَرِئَ الضَّامِنُ وَمَا ثَبَتَ الْأَصْلُ دَوَامُهُ وَاسْتِمْرَارُهُ وَلَمْ يَزُلْ إلَّا بِمُزِيلٍ.
وَزَوَالُهُ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ وَلَا تَعْوِيضٍ إجْحَافٌ بِصَاحِبِ الْحَقِّ وَإِضْرَارٌ بِهِ فَوَجَبَ اطِّرَاحُهُ، وَهَذَا ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَعِينٍ وَأَبَا دَاوُد وَالنَّسَائِيَّ وَغَيْرَهُمْ ضَعَّفُوا صَدَقَةَ بْنَ مُوسَى وَهُوَ الدَّقِيقِيُّ وَقَيْسُ بْنُ زَيْدٍ لَمْ أَجِدْ مَنْ يَرْوِي عَنْهُ غَيْرَ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ.
وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْأَزْدِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَاضِي الْمِصْرَيْنِ وَهُمَا الْبَصْرَةُ وَالْكُوفَةُ هُوَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ، وَإِنْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ فَإِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ مَنْ أُصِيبَ فِي مَالِهِ فَقَابَلَ ثَوَابُ الْمُصِيبَةِ حَقَّ صَاحِبِ الْمَالِ فَلِهَذَا خَلَصَ مِنْ تَبِعَتِهِ فِي الْآخِرَةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: ٤٩] .
مِنْ أَنَّ الْخَبَرَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ سُقُوطُ الْمُطَالَبَةِ عَنْ كُلِّ مَدِينٍ وَلِلَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يَتَفَضَّلَ بِمَا شَاءَ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَلِأَنَّهُ فِي الْآخِرَةِ مُوسِرٌ مُكَلَّفٌ فَكُلِّفَ بِالْخَلَاصِ مِنْ الْحَقِّ كَمَا لَوْ أَيْسَرَ فِي الدُّنْيَا، وَيَسَارُهُ إمَّا بِحَسَنَاتِهِ، وَإِمَّا بِأَنْ يُحْمَلَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ عَلَيْهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ. وَبِهَذَا يُعْرَفُ ضَعْفُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ وَهُوَ أَيْضًا لَزِمَهُ بِفِعْلِهِ وَاخْتِيَارِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute