وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة: ٦١] الْأَشْهَرُ أَنَّ الْمَنَّ مَاءٌ يَقَعُ عَلَى الشَّجَرِ أَوْ الْعَسَلُ أَوْ شَرَابٌ خِلَافًا لِمَنْ ذَهَبَ أَنَّهُ خُبْزٌ وَالْأَشْهَرُ أَنَّ السَّلْوَى طَائِرٌ وَقِيلَ الْعَسَلُ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّ الْفُومَ الْحِنْطَةُ أَوْ الْحُبُوبُ لَا الثُّومُ فَظَهَرَ أَنَّ عَلَى الْأَشْهَرِ أَنَّ اللَّحْمَ خَيْرٌ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالْحَبِّ، وَالْحَاجَةُ إلَى الْخُبْزِ أَكْثَرُ وَيَأْتِيَ فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الْخُبْزِ بَعْدِ هَذَا الْفَصْلِ.
وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: كُلُوا اللَّحْمَ فَإِنَّهُ يُصَفِّي اللَّوْنَ وَيَخْمُصُ الْبَطْنَ وَيُحَسِّنُ الْخُلُقَ، وَعَنْهُ أَيْضًا مَنْ تَرَكَهُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً سَاءَ خُلُقُهُ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ: أَكْلُ اللَّحْمِ يَزِيدُ فِي الْبَصَرِ وَقَالَ الزُّهْرِيِّ أَكْلُ اللَّحْمِ يَزِيدُ سَبْعِينَ قُوَّةً، وَأَمَّا إدْمَانُ اللَّحْمِ فَلَيْسَ هُوَ بِطَرِيقٍ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا لِأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ حَالِهِمْ وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ أَكْرَهُ إدْمَانَ اللَّحْمِ.
وَقَالَ نَافِعٌ وَكَانَ عُمَرُ إذَا كَانَ رَمَضَانُ لَمْ يَفُتْهُ اللَّحْمُ وَإِذَا سَافَرَ لَمْ يَفُتْهُ اللَّحْمُ يَعْنِي لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى بَقَاءِ الْقُوَّةِ وَالصِّحَّةِ وَلِلتَّقَوِّي عَلَى الْعِبَادَةِ وَفِي الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضَ أَهْلَ الْبَيْتِ اللَّحْمِيِّينَ قِيلَ هُمْ الَّذِينَ يُكْثِرُونَ أَكْلَ لَحْمِ النَّاسِ بِالْغِيبَةِ» .
رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَقِيلَ هُمْ الَّذِينَ يُكْثِرُونَ أَكْلَ اللَّحْمِ وَيُدْمِنُونَهُ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ أَشْبَهُ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِيَّاكُمْ وَاللَّحْمَ فَإِنَّ لَهُ ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الْخَمْرِ ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ وَغَيْرُهُ يَعْنِي إذَا أَكْثَرَ مِنْهُ.
وَمِنْهُ كَلْبٌ ضَارِي وَمِثْلُ هَذَا مَعْلُومٌ بِالتَّجْرِبَةِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ صَرِيحًا أَنَّهُ يَجِبُ لِلْمَرْأَةِ اللَّحْمُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ كَانَتْ مُوسِرَةً تَحْتَ مُوسِرٍ وَذَلِكَ مُحَرَّرٌ فِي النَّفَقَاتِ، وَذَكَرَ الْخَلَّالُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ كَمْ يَأْكُلُ الرَّجُلُ اللَّحْمَ قَالَ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَلَعَلَّ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ أَثَرًا فَإِنَّهُ قَالَ إنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَحُكَّ رَأْسَكَ إلَّا بِأَثَرٍ فَافْعَلْ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute