قَوْلُهُ «مَنْ تَطَبَّبَ» وَلَمْ يَقُلْ مِنْ طَبَّ لِأَنَّ لَفْظَ التَّفَعُّلَ يَدُلُّ عَلَى تَكَلُّفِ الشَّيْءِ، وَالدُّخُولِ فِيهِ بِكُلْفَةٍ وَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ كَتَكَلُّفٍ وَتَشَجُّعٍ وَتَحَلُّمٍ وَتَصَبُّرٍ، وَظَاهِرُ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَطِبَّ مَنْ لَا يُعْرَفُ حِذْقُهُ وَإِذَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْمُبَاشَرَةُ لَا يَحِلُّ تَمْكِينُهُ مِمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ يَضْمَنُ، وَلَوْ عَلِمَ مَنْ اسْتَطَبَّهُ جَهْلَهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي طِبِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ الْمُبَاشَرَةُ مَعَ جَهْلِهِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي زَمَانِنَا لَا يَضْمَنُ هَذَا وَمَا قَالَهُ مُتَوَجَّهٌ وَلَعَلَّ مُرَادَ الْأَصْحَابِ غَيْرُ هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ تَحِلَّ الْمُبَاشَرَةُ لَكِنَّ الْإِذْنَ مَعَ عِلْمِهِ بِجَهْلِهِ مَانِعٌ مِنْ الضَّمَانِ وَالتَّحْقِيقِ أَنَّهَا كَمَسْأَلَةِ مَنْ قَالَ لِآخَرَ اُقْتُلْنِي أَوْ اجْرَحْنِي فَفَعَلَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَشْهَرِ الْمَنْصُوصِ.
وَأَمَّا الطَّبِيبُ الْحَاذِقُ فَلَا يَضْمَنُ فَإِنْ جَنَتْ يَدُهُ وَأَخْطَأَتْ فَجِنَايَتُهُ خَطَأٌ مَضْمُونَةٌ وَإِنْ وَصَفَ دَوَاءً فَأَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ فَتَلِفَ الْمَرِيضُ فَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَالْمُفْتِي إذَا بَانَ خَطَؤُهُ فِي إتْلَافٍ إنْ خَالَفَ قَاطِعًا ضَمَنَ لَا مُسْتَفْتِيهِ وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ فَيُضَمِّنُ الطَّبِيبَ عَاقِلَتَهُ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمَوْجُودِينَ فِي زَمَانِنَا يَتَخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي خَطَأِ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ إحْدَاهُمَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَالثَّانِيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَذَا قَالَ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ كَسَائِرِ الْوُكَلَاءِ وَلِهَذَا لَهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَزْلُ نَفْسِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الطَّبِيبِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يَضْمَنُ الْحَاذِقُ إلَّا إذَا جَنَتْ يَدُهُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ هُنَا لَكِنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ طِبُّهُ عَمَلًا وَقَدْ أَخْطَأَ هُنَا بِلِسَانِهِ بِمُخَالِفَةِ قَاطِعٍ فَهُوَ كَالْمُفْتِي.
وَقَدْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ الْمُعَالِجَ إذَا تَعَدَّى فَتَلِفَ الْمَرِيضُ كَانَ ضَامِنًا وَالْمُتَعَاطِي عِلْمًا أَوْ عَمَلًا لَا يَعْرِفُهُ مُتَعَدٍّ فَإِذَا تَوَلَّدَ مَنْ فِعْلِهِ التَّلَفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute