أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَكَانَ قَدْ فَعَلَ خَيْرًا وَإِحْسَانًا فَهَلْ يُكْتَبُ لَهُ فِي إسْلَامِهِ مَا عَمِلَهُ فِي كُفْرِهِ؟ يَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا: يُخَفَّفُ عَنْ الْكَافِرِ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ بِمَا عَمِلَهُ فِي كُفْرِهِ، أَوْ ثَبَتَ خَبَرُ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي كُتِبَ لَهُ ذَلِكَ فِي إسْلَامِهِ وَإِلَّا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ.
وَحَكَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَوْلَيْنِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ حَكِيمٍ وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنَّهُ «سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أُمُورٍ كَانَ يَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهَلْ لِي فِيهَا مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ لَهُ: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ» وَإِنْ لَمْ يُكْتَبْ لَهُ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ سَبَبٌ فِي حُصُولِ الْخَيْرِ وَإِسْلَامِهِ.
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ كُلَّ حَسَنَةٍ كَانَ أَزْلَفَهَا، وَمَحَا عَنْهُ كُلَّ سَيِّئَةٍ كَانَ أَزْلَفَهَا، وَكَانَ عَمَلُهُ بَعْدُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا إلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرِيبِ حَدِيثِ مَالِكٍ وَرَوَاهُ عَنْهُ مِنْ تِسْعِ طُرُقٍ، وَثَبَتَ فِيهَا كُلِّهَا أَنَّ الْكَافِرَ إذَا حَسُنَ إسْلَامُهُ يُكْتَبُ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ كُلُّ حَسَنَةٍ عَمِلَهَا فِي الشِّرْكِ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يَصِلْ سَنَدَهُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ «كَتَبَ اللَّهُ كُلَّ حَسَنَةٍ كَانَ أَزْلَفَهَا» وَوَصَلَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إسْلَامَهُ فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ» وَقَدْ فُسِّرَ حُسْنُ الْإِسْلَامِ هُنَا بِالْإِسْلَامِ ظَاهِرًا، وَبَاطِنًا لَا يَكُونُ مُنَافِقًا وَلَعَلَّ يُؤَيِّدُ مَنْ قَالَ بِمِثْلِهِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وَقَدْ يَقُولُ مَنْ قَالَ بِحُسْنِ الْإِسْلَامِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute