وَهُوَ أَرْطَبُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمِيَاهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَطُولُ مُدَّتُهُ فَيُكْتَسَبُ مِنْ يَبَسِ الْأَرْضِ أَوْ غَيْرِهَا وَلِهَذَا يَعْفَنُ، وَيَتَغَيَّرُ سَرِيعًا لِطَاقَتِهِ وَسُرْعَةِ انْفِعَالِهِ.
وَأُبُقْرَاطُ يَقُولُ: مَاءُ الْمَطَرِ أَجْوَدُ الْمِيَاهِ وَأَعْذَبُهَا وَأَخَفُّهَا وَزْنًا وَهُوَ أَقَلُّ بَرْدًا مِنْ مَاءِ الْعُيُونِ وَهُوَ يَنْفَعُ مِنْ السُّعَالِ وَخَاصَّةً إذَا طُبِخَ بِهِ أَشْرِبَةُ السُّعَالِ وَهُوَ مُدِرٌّ لِلْعَرَقِ، وَيَضُرُّ بِالْبُحُوحَةِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ عَفَنِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَطَرُ الشِّتْوِيُّ أَفْضَلُ مِنْ الرَّبِيعِيِّ لِقِلَّةِ حَرَارَةِ الشَّمْسِ حِينَئِذٍ فَلَا يُجْتَذَبُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ إلَّا أَلْطَفُهُ وَالْجَوُّ صَافٍ لِخُلُوِّهِ عَنْ دُخَانٍ وَغُبَارٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَطَرُ الرَّبِيعِيُّ أَلْطَفُ؛ لِأَنَّ الْحَرَارَةَ تُوجِبُ تَحَلُّلَ الْأَبْخِرَةِ الْغَلِيظَةِ وَرِقَّةَ الْهَوَاءِ وَلَطَافَتَهُ فَيَخِفُّ بِذَلِكَ الْمَاءُ لِقِلَّةِ أَجْزَائِهِ وَيُصَادِفُ وَقْتَ النَّبَاتِ وَطِيبَ الْهَوَاءِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَأَى الْمَطَرَ يَقُولُ رَحْمَةً» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَلِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِهَا «اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا» وَلَيْسَ فِي الْبُخَارِيِّ " اللَّهُمَّ " وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: فَحَسِرَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ فَقُلْنَا: لِمَ صَنَعْتَ هَذَا قَالَ: لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ» .
وَالْمِيَاهُ الْعَفِنَةُ كَمِيَاهِ الْآجَامِ وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي تَخْرُجُ إلَيْهَا الْأَوْسَاخُ فِيهِ حَرَارَةٌ وَيُغْلِظُ الطِّحَالَ وَالْكَبِدَ وَيُفْسِدُ الْمَعِدَةَ وَيُسَمِّحُ اللَّوْنَ وَيُوَلِّدُ الْحُمَّيَاتِ وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى شُرْبِ الْمَاءِ الْعَفِنِ فَلْيَمْزُجْهُ بِرُبُوبِ الْفَوَاكِهِ الْحَامِضَةِ كَرُبِّ الرُّمَّانِ وَالْحِصْرِمِ والريناس. وَالْمَاءُ الْكَدِرُ الْغَلِيظُ يُحْدِثُ الْحَصَى فِي الْمَثَانَةِ وَالْكُلَى وَيُتَدَارَكُ ضَرَرُهُ بِبُقُولٍ لَطِيفَةٍ وَمُدِرَّةٍ وَثُومٍ وَكُرَّاثٍ وَبَصَلٍ وَيُصْلِحُهُ لِلشُّرْبِ الْخُرْنُوبُ الشَّامِيُّ وَحَبُّ الْآسِ وَالزُّعْرُورُ وَالطِّينُ الْحُرُّ وَالسَّوِيقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute