عليه ما بعد لأن الكلام من باب التنازع حيث تنازع رأي وأتى في معمول واحد وهو عَذابُ اللَّهِ والساعة فاعمل الثاني وأضمر في الأول. والثاني منهما جملة الاستفهام وهي قوله تعالى أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ والرابط لها بالمفعول الأول محذوف أي أغير الله تدعون لكشف ذلك. وقيل: لا تنازع والتقدير أرأيتكم عبادتكم للأصنام أو الأصنام التي تعبدونها هل تنفعكم، وقيل: إن الجملة الاستفهامية سادة مسد المفعولين.
وذهب الرضي تبعا لغيره أن رأى هنا بصرية. وقيل: قلبية بمعنى عرف. وهي على القولين متعدية لواحد وأصل اللفظ الاستفهام عن العلم أو العرفان أو الإبصار إلا أنه تجوز به عن معنى أخبرني ولا يستعمل إلا في الاستخبار عن حالة عجيبة لشيء. وفيه- على ما قال الكرماني-. وغيره تجوزان إطلاق الرؤية وإرادة الإخبار لأن الرؤية بأي معنى كانت سبب له. وجعل الاستفهام بمعنى الأمر بجامع الطلب. وقول بعضهم: إن الاستفهام للتعجيب لا ينافي كون ذلك بمعنى أخبرني لما قيل: إنه بالنظر إلى أصل الكلام. ونقل عن أبي حيان أن الأخفش قال: إن العرب أخرجت هذا اللفظ عن معناه بالكلية فقالوا: أرأيتك وأريتك بحذف الهمزة الثانية إذا كان بمعنى أخبرت. وإذا كان بمعنى أبصرت لم تحذف همزته وألزمته أيضا الخطاب على هذا المعنى فلا تقول أبدا أراني زيد عمرا ما صنع وتقول هذا على معنى أعلم، وأخرجته أيضا عن موضوعه بالكلية لمعنى إما بدليل دخول الفاء بعده كقوله تعالى: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ [الكهف: ٦٣] الآية. فما دخلت الفاء إلا وقد خرجت لمعنى أما. والمعنى أما إذا أوينا إلى الصخرة فالأمر كذا وكذا.
وقد أخرجته أيضا إلى معنى أخبرني كما قدمنا، وإذا كان بهذا المعنى فلا بد بعده من اسم المستخبر عنه وتلزم الجملة بعد الاستفهام. وقد يخرج لهذا المعنى وبعده الشرط وظرف الزمان اه ولم يوافق في جميع ذلك.
وذهب شيخ أهل الكوفة الكسائي إلى أن التاء ضمير الفاعل وأداة الخطاب اللاحقة في موضع المفعول الأول.
وذهب الفراء إلى أن التاء حرف خطاب واللواحق بعده في موضع الرفع على الفاعلية وهي ضمائر نصب استعملت استعمال ضمائر الرفع. والكلام على ذلك مبسوط في محله. والمختار عند كثير من المحققين ما ذهب إليه البصريون من جعل كم هنا وكذا سائر اللواحق حرف خطاب ومتعلق الاستخبار عندهم ومحط التبكيت قوله تعالى: أَغَيْرَ اللَّهِ إلخ. وقوله سبحانه: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ متعلق بأريتكم مؤكد للتبكيت كاشف عن كذبهم. وجواب الشرط محذوف ثقة بدلالة المذكور عليه، والتقدير- على ما قيل- إن كنتم صادقين في أن أصنامكم آلهة أو أن عبادتكم لها نافعة أو إن كنتم قوما من شأنكم الصدق فأخبروني أإلها غير الله تعالى تدعون إن أتاكم عذاب الله إلخ فإن صدقهم من موجبات أخبارهم بدعائهم غيره سبحانه.
وقيل: إن الجواب ما يدل عليه قوله تعالى: أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ أعني فادعوه على أن الضمير لغير الله، واعترض بأنه يخل بجزالة النظم الكريم كيف لا والمطلوب منهم إنما هو الإخبار بدعائهم غيره جل شأنه عند إتيان ما يأتي لا نفس دعائهم إياه، وجوز آخرون كون متعلق الاستخبار محذوفا تقديره أخبروني إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة من تدعون، وجعلوا قوله سبحانه: أَغَيْرَ اللَّهِ إلخ استئنافا للتبكيت على معنى أتخصون آلهتكم بالدعوة كما هو عادتكم إذا أصابكم ضر أم تدعون الله تعالى دونها، وعليه فتقديم المفعول للتخصيص.
وبعضهم جعل تقديمه لأن الإنكار متعلق به وأنكر تعلقه بالتخصيص، نعم التقديم في قوله تعالى: بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ للتخصيص أي بل تخصونه سبحانه بالدعاء وليس لرعاية الفواصل، والتخصيص مستفاد مما بعد وهو عطف على جملة منفية تفهم من الكلام السابق كأنه قيل: لا غير الله تدعون بل إياه تدعون، وجعله في الكشف عطفا على أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ وأورد الزمخشري على كون أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ متعلق الاستخبار أن قوله سبحانه: