وروي عن الحسن أنه لما سمع الآية قال:«مكر بالقوم ورب الكعبة أعطوا حاجتهم ثم أخذوا» وقيل: المراد فتحنا عليهم ذلك إلزاما للحجة وإزاحة للعلة، والظاهر أن فَتَحْنا جواب لما لأن فيها سواء قيل بحرفيتها أو اسميتها معنى الشرط.
واستشكل ذلك بأنه لا يظهر وجه سببية النسيان لفتح أبواب الخير. وأجيب بأن النسيان سبب للاستدراج المتوقف على فتح أبواب الخير، وسببية شيء لآخر تستلزم سببيته لما يتوقف عليه. ويقال: إن الجواب ما ذكر باعتبار ماله ومحصله وهو ألزمناهم الحجة ونحوه وتسببه عنه ظاهر، وقيل: إنه مسبب عنه باعتبار غايته وهو أخذهم بغتة. وقرأ أبو جعفر وابن عامر «فتّحنا» بالتشديد للتكثير حَتَّى إِذا فَرِحُوا فرح بطر بِما أُوتُوا من النعم ولم يقوموا بحق المنعم جل شأنه أَخَذْناهُمْ عاقبناهم وأنزلنا بهم العذاب بَغْتَةً أي فجأة ليكون أشد عليهم وأفظع هولا، وهي نصب على الحالية من الفاعل أو المفعول أي مباغتين أو مبغوتين أو على المصدرية أي بغتناهم بغتة فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ أي آيسون من النجاة والرحمة كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وقال البلخي: أذلة خاضعون، وعن السدي الإبلاس تغير الوجه.
ومنه سمي إبليس لأن الله تعالى نكس وجهه وغيره، وعن مجاهد هو بمعنى الاكتئاب.
وفي الحواشي الشهابية للإبلاس ثلاثة معان في اللغة، الحزن، والحسرة، واليأس وهي معان متقاربة. وقال الراغب: هو الحزن المعترض من شدة اليأس، ولما كان المبلس كثيرا ما يلزم السكوت وينسى ما يعنيه قيل: أبلس فلان إذا سكت وإذا انقطعت حجته وإِذا هي الفجائية وهي ظرف مكان كما نص عليه أبو البقاء وعن جماعة أنها ظرف زمان، ومذهب الكوفيين أنها حرف وعلى القولين الأولين الناصب لها خبر المبتدأ أي أبلسوا في مكان إقامتهم أو في زمانها فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي آخرهم كما قال غير واحد، وهو من دبره إذا تبعه فكأنه في دبره أي خلفه، ومنه إن من الناس من لا يأتي الصلاة إلا دبرا أي في آخر الوقت.
وقال الأصمعي: الدابر الأصل ومنه قطع الله دابره أي أصله وأيّا ما كان فالمراد أنهم استؤصلوا بالعذاب ولم يبق منهم أحد، ووضع الظاهر موضع الضمير للإشعار بعلة الحكم.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ على ما جرى عليهم من النكال والإهلاك فإن إهلاك الكفار والعصاة من حيث إنه تخليص لأهل الأرض من شؤم عقائدهم الفاسدة وأعمالهم الخبيثة نعمة جليلة يحق أن يحمد عليها فهذا منه تعالى تعليم للعباد أن يحمدوه على مثل ذلك، واختار الطبرسي أنه حمد منه عز اسمه لنفسه على ذلك الفعل قُلْ يا محمد على سبيل التبكيت والإلزام أيضا أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ أي أصمكم وأعماكم فأخذهما مجاز عما ذكر لأنه لازم له، والاستدلال بالآية على بقاء العرض زمانين محل نظر.
وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ بأن غطى عليها بما لا يبقى لكم معه عقل وفهم أصلا. وقيل: يجوز أن يكون الختم عطفا تفسيريا للأخذ فإن البصر والسمع طريقان للقلب منهما يرد ما يرده من المدركات فأخذهما سد لبابه بالكلية وهو السر في تقديم أخذهما على الختم عليها. واعترض بأن من المدركات ما لا يتوقف على السمع والبصر، ولهذا قال غير واحد بوجوب الإيمان بالله تعالى على من ولد أعمى أصم وبلغ سن التكليف، وقيل في التقديم: إنه من باب تقديم ما يتعلق بالظاهر على ما يتعلق بالباطن. ووجه تقديم السمع وافراده قد تقدمت الإشارة إليه مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ أي بذلك على أن الضمير مستعار لاسم الإشارة المفرد لأنه الذي كثر في الاستعمال التعبير به عن أشياء عدة وأما الضمير المفرد فقد قيل فيه ذلك. ونقل عن الزجاج أن الضمير راجع إلى المأخوذ والمختوم عليه في ضمن ما مر أي المسلوب منكم أو راجع إلى السمع وما بعده داخل معه في القصد ولا يخفى بعده.