للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجوز أن يكون راجعا إلى أحد هذه المذكورات، ومَنْ مبتدأ وإِلهٌ خبره وغَيْرُ صفة للخبر ويَأْتِيكُمْ صفة أخرى، والجملة- كما قال غير واحد- متعلق الرؤية ومناط الاستخبار أي أخبروني أن سلب الله تعالى مشاعركم من إله غيره سبحانه يأتيكم به وترك كاف الخطاب هنا قيل: لأن التخويف فيه أخف مما تقدم ومما يأتي.

وقيل: اكتفاء بالسابق واللاحق لتوسط هذا الخطاب بينهما، وقيل: لما كان هذا العذاب مما لا يبقى القوم معه أهلا للخطاب حذفت كافه إيماء لذلك ورعاية لمناسبة خفية انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ أي نكررها على أنحاء مختلفة، ومنه تصريف الرياح. والمراد من الآيات- على ما روي عن الكلبي- الآيات القرآنية وهل هي على الإطلاق أو ما ذكر من أول السورة إلى هنا أو ما ذكر قبل هذا أقوال أقربها عندي الأقرب وفيها الدال على وجود الصانع وتوحيده وما فيه الترغيب والترهيب والتنبيه والتذكير. وهذا تعجيب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وقيل: لمن يصلح للخطاب من عدم تأثرهم بما مر من الآيات الباهرات.

ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ أي يعرضون عن ذلك: وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنشد لهذا المعنى قول أبي سفيان بن الحارث:

عجبت لحكم الله فينا وقد بدا ... له صدفنا عن كل حق منزل

وذكر بعضهم أنه يقال: صدف عن الشيء صدوفا إذا مال عنه. وأصله من الصدف الجانب والناحية ومثله الصدفة وتطلق على كل بناء مرتفع.

وجاء في الخبر أنه صلّى الله عليه وسلّم مر بصدف مائل فأسرع.

والجملة عطف على «نصرف» داخل معه في حكمه وهو العمدة في التعجيب. وثُمَّ للاستبعاد أي أنهم بعد ذلك التصريف الموجب للإقبال والإيمان يدبرون ويكفرون قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ تبكيت آخر لهم بإلجائهم إلى الاعتراف باختصاص العذاب بهم إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أي العاجل الخاص بكم كما أتى أضرابكم من الأمم قبلكم بَغْتَةً أي فجأة من غير ظهور أمارة وشعور. ولتضمنها بهذا الاعتبار ما في الخفية من عدم الشعور صح مقابلتها بقوله سبحانه: أَوْ جَهْرَةً وبدأ بها لأنها أردع من الجهرة. وإنما لم يقل: خفية لأن الإخفاء لا يناسب شأنه تعالى.

وزعم بعضهم أن البغتة استعارة للخفية بقرينة مقابلتها بالجهرة وأنها مكنية من غير تخييلية. ولا يخفى أنه على ما فيه تعسف لا حاجة إليه فإن المقابلة بين الشيء والقريب من مقابله كثيرة في الفصيح. ومنه

قوله صلّى الله عليه وسلّم «بشروا ولا تنفروا» .

وعن الحسن أن البغتة أن يأتيهم ليلا. والجهرة أن يأتيهم نهارا. وقرىء «بغتة أو جهرة» بفتح الغين والهاء على أنهما مصدران كالغلبة أي إتيانا بغتة أو إتيانا جهرة. وفي المحتسب لابن جني أن مذهب أصحابنا في كل حرف حلق ساكن بعد فتح لا يحرك إلا على أنه لغة فيه كالنهر والنهر والشعر والشعر والحلب والحلب والطرد والطرد.

ومذهب الكوفيين أنه يجوز تحريك الثاني لكونه حرفا حلقيا قياسا مطردا كالبحر والبحر، وما أرى الحق إلا معهم، وكذا سمعت من عامه عقيل. وسمعت الشجري يقول: أنا محموم بفتح الحاء. وليس في كلام العرب مفعول بفتح الفاء. وقالوا: اللحم يريد اللحم. وسمعته يقول تغدوا بمعنى تغدوا. وليس في كلامهم مفعل بفتح الفاء وقالوا: سار نحوه بفتح الحاء ولو كانت الحركة أصلية ما صحت اللام أصلا اه. وهي- كما قال الشهاب- فائدة ينبغي حفظها.

وقرىء «بغتة وجهرة» بالواو الواصلة.

هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ أي إلا أنتم. ووضع الظاهر موضع ضميرهم تسجيلا عليهم بالظلم وإيذانا بأن مناط إهلاكهم ظلمهم ووضعهم الكفر موضع الإيمان والإعراض موضع الإقبال. وهذا- كما قال الجماعة- متعلق

<<  <  ج: ص:  >  >>