استبعادا، نعم في كون المراد من الأول نفي دعوى الألوهية والتبري منها نظر وإلا لقيل لا أقول لكم إني إله كما قيل وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ وأيضا في الكناية عن الألوهية بعندي خزائن الله ما لا يخفى من البشاعة، وإضافة الخزائن إليه تعالى منافية لها. ودفع المنافاة بأن دعوى الألوهية ليس دعوى أن يكون هو الله تعالى بل أن يكون شريكا له عز اسمه في الألوهية فيه نظر لأن إضافة الخزائن إليه تعالى اختصاصية فتنافي الشركة اللهم إلا أن يكون خزائن مثل خزائن أو تنسب إليه وهو كما ترى. ومن هنا قال شيخ الإسلام: إن جعل ذلك تبريا عن دعوى الألوهية مما لا وجه له قطعا.
إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ أي ما أفعل إلا اتباع ما يوحى إلي من غير أن يكون لي مدخل ما في الوحي أو في الموحى بطريق الاستدعاء أو بوجه آخر من الوجوه أصلا. وحاصله أني عبد يمتثل أمر مولاه ويتبع ما أوحاه ولا أدعي شيئا من تلك الأشياء حتى تقترحوا علي ما هو من آثارها وأحكامها وتجعلوا عدم إجابتي إلى ذلك دليلا على عدم صحة ما أدعيه من الرسالة. ولا يخفى أن هذا أبلغ من أني نبي أو رسول ولذا عدل إليه.
ولا دلالة فيه لنفاة القياس ولا لمانعي جواز اجتهاده عليه الصلاة والسلام كما لا يخفى. وذهب البعض إلى أن المقصود من هذا الرد على الكفرة كأنه قيل: إن هذه دعوى وليست مما يستبعد إنما المستبعد ادعاء البشر الألوهية أو الملكية ولست أدعيهما. وقد علمت آنفا ما في دعوى أن المقصود مما تقدم نفي ادعاء الألوهية والملكية قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أي الضال والمهتدي على الإطلاق كما قال غير واحد.
والاستفهام إنكاري، والمراد إنكار استواء من لا يعلم ما ذكر من الحقائق ومن يعلمها مع الإشعار بكمال ظهورها والتنفير عن الضلال والترغيب في الاهتداء، وتكرير الأمر لتثبيت التبكيت وتأكيد الإلزام أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ عطف على مقدر يقتضيه المقام أي ألا تسمعون هذا الكلام الحق فلا تتفكرون فيه أو أتسمعونه فلا تتفكرون.
والاستفهام للتقرير والتوبيخ. والكلام داخل تحت الأمر. ومناط التوبيخ عدم الأمرين على الأول وعدم التفكر مع تحقق ما يوجبه على الثاني.
وذكر بعضهم أن في الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ ثلاث احتمالات إما أن يكونا مثالا للضال والمهتدي أو مثالا للجاهل والعالم أو مثالا لمدعي المستحيل كالألوهية والملكية. ومدعي المستقيم كالنبوة. وإن المعنى لا يستوي هذان الصنفان أفلا تتفكرون في ذلك فتهتدوا أي فتميزوا بين ادعاء الحق والباطل أو فتعلموا أن اتباع الوحي مما لا محيص عنه. والجملة تذييل لما مضى إما من أول السورة إلى هنا أو لقوله سبحانه إِنْ أَتَّبِعُ إلخ أو لقوله عز شأنه لا أَقُولُ. ورجح في الكشف الأول ثم الثاني ولا يخفى بعد هذا الترجيح. واعترض القول بإحالة الملكية بأنها من الممكنات لأن الجواهر متماثلة والمعاني القائمة ببعضها يجوز أن تقوم بكلها.
وأجيب بعد تسليم ما فيه أن البشر حال كونه بشرا محال أن يكون ملكا لتمايزهما بالعوارض المتنافية- بلا خلاف. وإقدام آدم عليه الصلاة والسلام بعد سماع ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ [الأعراف: ٢٠] على الأكل ليس طمعا في الملكية حال البشرية على أنه يجوز أن يقال: إنه لم يطمع في الملكية أصلا وإنما طمع في الخلود فأكل وَأَنْذِرْ أي عظ وخوف يا محمد بِهِ أي بما يوحى أو بالقرآن كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والزجاج، وقيل: أي بالله تعالى. وروي ذلك عن الضحاك.
وهذا أمر منه سبحانه وتعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم بعد ما حكى سبحانه وتعالى له أن من الكفرة من لا يتعظ ولا يتأثر قد التحق بالأموات وانتظم في سلك الجمادات فما ينجع فيه دواء الإنذار ولا يفيده العظة والتذكار إذ ينذر من يتوقع في