بحيث يؤدي إلى طردهم ويفهم من بعض الروايات أن الآيتين نزلتا معا ولا يفهم ذلك من البعض الآخر،
فقد أخرج أحمد والطبراني وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال:«مر الملأ من قريش على النبي صلّى الله عليه وسلّم وعنده صهيب، وعمار، وبلال، وخباب، ونحوهم من ضعفاء المسلمين فقالوا: يا محمد رضيت بهؤلاء من قومك أهؤلاء منّ الله تعالى عليهم من بيننا أنحن نكون تبعا لهؤلاء اطردهم عنك فلعلك إن طردتهم أن نتبعك فأنزل الله تعالى فيهم القرآن وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ إلى قوله سبحانه: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، والبيهقي في الدلائل، وغيرهم عن خباب رضي الله تعالى عنه قال: جاء الأقرع ابن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري فوجدا النبي صلّى الله عليه وسلّم قاعدا مع بلال، وصهيب، وعمار، وخباب في أناس ضعفاء من المؤمنين فلما رأوهم حوله حقروهم فأتوه فخلوا به فقالوا: نحب أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا العرب له فضلنا فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا قعودا مع هؤلاء الأعبد فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت قال: نعم قالوا: فاكتب لنا عليك بذلك كتابا فدعا بالصحيفة ودعا عليا كرم الله تعالى وجهه ليكتب ونحن قعود في ناحية إذ نزل جبرائيل بهذه الآية وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ إلخ ثم دعانا فأتيناه وهو يقول: «سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة» فكنا نقعد معه فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ [الكهف: ٢٨] إلخ فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقعد معنا بعد فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم،
وأخرج ابن المنذر وغيره عن عكرمة قال: مشى عتبة وشيبة ابنا ربيعة وقرظة بن عبد عمرو بن نوفل والحارث بن عامر بن نوفل ومطعم بن عدي في أشراف الكفار من عبد مناف إلى أبي طالب فقالوا: لو أن ابن أخيك طرد عنا هؤلاء الأعبد والحلفاء كان أعظم له في صدورنا وأطوع له عندنا وأدنى لاتباعنا إياه وتصديقه فذكر ذلك أبو طالب للنبي صلّى الله عليه وسلّم فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: لو فعلت يا رسول الله حتى ننظر ما يريدون بقولهم: وما يصيرون إليه من أمرهم فأنزل الله سبحانه: وَأَنْذِرْ بِهِ إلى قوله سبحانه: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ وكانوا بلالا، وعمار بن ياسر، وسالم مولى أبي حذيفة، وصبيحا مولى أسيد، والحلفاء ابن مسعود، والمقداد بن عمرو، وواقد بن عبد الله الحنظلي، وعمرو بن عبد عمرو، ومرثد بن أبي مرثد، وأشباههم، ونزل في أئمة الكفر من قريش، والموالي، والحلفاء وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ الآية فلما نزلت أقبل عمر رضي الله تعالى عنه فاعتذر من مقالته فأنزل الله تعالى: وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا الآية.
والغداة أصله غدوة قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وأصل العشي عشوى قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء وفاء بالقاعدة، والظاهر أنه مفرد كالعشية وجمعه عشايا وعشيات، وقيل: هو جمع عشية وفيه بعد، ومعنى الأول لغة البكرة أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس، ومعنى الثاني آخر النهار، والمراد بهما هاهنا الدوام كما يقال فعله مساء وصباحا إذا داوم عليه، والمراد بالدعاء حقيقته أو الصلاة أو الذكر أو قراءة القرآن أقوال.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد أنهما عبارة عن صلاتي الصبح والعصر لأن الزمان كثيرا ما يذكر ويراد به ما يقع فيه كما يقال صلى الصبح والمراد صلاته وقد يعكس فيراد بالصلاة زمانها نحو قربت الصلاة أي وقتها، وقد يراد بها مكانها كما قيل في قوله تعالى: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى [النساء: ٤٣] أن المراد بالصلاة المساجد، وخصا بالذكر لشرفهما. والأقوال في الدعاء جارية على هذا القول خلا الثاني، وقرأ ابن عامر هنا وفي الكهف «الغدوة» بالواو وهي قراءة الحسن، ومالك بن دينار، وأبي رجاء العطاردي، وغيرهم، وزعم أبو عبيد أن من قرأ بالواو فقد أخطأ لأن غدوة علم جنس لا تدخله الألف واللام، ومنشأ خطئه أنه اتبع رسم الخط لأن الغداة تكتب بالواو