كالصلاة والزكاة وقد أخطأ في هذه التخطئة لأن غدوة وإن كان المعروف فيها ما ذكره لكن قد سمع مجيئها اسم جنس أيضا منكرا مصروفا فتدخلها أل حينئذ، وقد نقل ذلك سيبويه عن الخليل، وتصديره بالزعم لا يدل على ضعفه كما يشير إليه كلام الإمام النووي في شرح مسلم وذكره جم غفير من أهل اللغة.
وذكر المبرد أيضا عن العرب تنكير غدوة وصرفها وإدخال اللام عليها إذا لم يرد بها غدوة يوم بعينه والمثبت مقدم على النافي ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وكفى بوروده في القراءة المتواترة حجة فلا حاجة- كما قيل- إلى التزام أنها علم لكنها نكرت فدخلتها أل لأن تنكير العلم وإدخال أل عليه أقل قليل في كلامهم بل إن تنكير علم الجنس لم يعهد ولا إلى التزام أنها معرفة ودخلتها اللام لمشاكلة العشي كما دخلت على يزيد لمشاكلة الوليد في قوله:
رأيت الوليد بن اليزيد مباركا ... شديدا بأعباء الخلافة كاهله
لأن هذا النوع من المشاكلة وهو المشاكلة الحقيقية قليل أيضا، والكثير في المشاكلة المجاز ولا دلالة في الآية على أنه صلّى الله عليه وسلّم وقع منه الطرد ليخدش وجه العصمة، والذي تحكيه الآثار أنه عليه الصلاة والسلام هم أن يجعل لأولئك الداعين المتقين وقتا خاصا ولأشراف قريش وقتا آخر ليتألفوا فيقودهم إلى الإيمان وأولئك رضي الله تعالى عنهم يعلمون ما قصد صلّى الله عليه وسلّم فلا يحصل لهم إهانة وانكسار قلب منه عليه الصلاة والسلام.
يُرِيدُونَ وَجْهَهُ في موضع الحال من ضمير يَدْعُونَ. وفي المراد بالوجه عند المؤولين خلاف فقيل- وهو المشهور- إنه الذات أي مريدين ذاته تعالى، ومعنى إرادة الذات على ما قيل الإخلاص لها بناء على استحالة كون الله تعالى مرادا لذاته سبحانه وتعالى لأن الإرادة صفة لا تتعلق إلا بالممكنات لأنها تقتضي ترجيح أحد طرفي المراد على الآخر وذلك لا يعقل إلا فيها أي يدعون ربهم مخلصين له سبحانه فيه، وقيد بذلك لتأكيد عليته للنهي فإن الإخلاص من أقوى موجبات الإكرام المضاد للطرد، وقيل: المراد به الجهة والطريق، والمعنى مريدين الطريق الذي أمرهم جل شأنه بإرادته وهو الذي يقتضيه كلام الزجاج، وقيل: إنه كناية عن المحبة وطلب الرضا لأن من أحب ذاتا أحب أن يرى وجهه فرؤية الوجه من لوازم المحبة فلهذا جعل كناية عنها قاله الإمام وهو كما ترى.
وجوز أيضا أن يكون ذكر الوجه للتعظيم كما يقال: هذا وجه الرأي وهذا وجهه الدليل، والمعنى يريدونه ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ضمير الجمع للموصول السابق كما روي عن عطاء وغالب المفسرين.
وجوز في ما أن تكون تميمية وحجازية. وفي شَيْءٍ أن يكون فاعل الظرف المعتمد على النفي ومِنْ حِسابِهِمْ وصف له قدم فصار حالا، وأن يكون في موضع رفع بالابتداء والظرف متعلق بمحذوف وقع خبرا مقدما له و «من» زائدة للاستغراق، وكلام الزمخشري يشير إلى اختياره، والجملة اعتراض وسط بين النهي وجوابه تقريرا له ودفعا لما عسى أن يتوهم كونه مسوغا لطرد المتقين من أقاويل الطاعنين في دينهم كدأب قوم نوح عليه السلام حيث قالوا: ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ [هود: ٢٧] ، والمعنى ما عليك شيء ما من حساب إيمانهم وأعمالهم الباطلة كما يقوله المشركون حتى تتصدى له وتبني على ذلك ما تراه من الأحكام وإنما وظيفتك حسبما هو شأن منصب الرسالة النظر إلى ظواهر الأمور وإجراء الأحكام على موجبها وتفويض البواطن وحسابها إلى اللطيف الخبير، وظواهر هؤلاء دعاء ربهم بالغداة والعشي وروي عن ابن زيد أن المعنى ما عليك شيء من حساب رزقهم أي من فقرهم، والمراد لا يضرك فقرهم شيئا ليصح لك الإقدام على ما أراده المشركون منك فيهم.
وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ عطف على ما قبله، وجيء به مع أن الجواب قد تم بذلك مبالغة في بيان كون انتفاء حسابهم عليه عليه الصلاة والسلام بنظمه في سلك ما لا شبهة فيه أصلا وهو انتفاء كون حسابه صلّى الله عليه وسلّم