للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله

ولكنا نعض السيف منها ... بأسوق عافيات الشحم كوم

وتفسير أبي مسلم له بالاعراض عن الشكر ليس بيانا للمعنى اللغوي كما لا يخفى، وحَتَّى هذه الداخلة على الماضي ابتدائية لا غائية عند الجمهور، ولا محل للجملة بعدها كما نقل ذلك الجلال السيوطي في شرح جمع الجوامع له عن بعض مشايخه، وأما زعم ابن مالك أنها جارة غائية وأن مضمرة بعدها على تأويل المصدر فغلطه فيه أبو حيان وتبعه ابن هشام فقال: لا أعرف له في ذلك سلفا، وفيه تكلف إضمار من غير ضرورة، ولا يشكل عليه ولا على من يقول: إن معنى الغاية لازم لحتى ولو كانت ابتدائية أن الماضي لمضيه لا يصلح أن يكون غاية لما قبل لتأخر الغاية عن ذي الغاية لأن الفعل وإن كان ماضيا لكنه بالنسبة إلى ما صار غاية له مستقبل فافهم.

وَقالُوا غير واقفين على أن ما أصابهم من الأمرين ابتلاء منه سبحانه قَدْ مَسَّ آباءَنَا كما مسنا.

الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ وما ذلك إلا من عادة الدهر يعاقب في الناس بين الضراء والسراء ويداولهما بينهم من غير أن يكون هناك داعية إليهما أو تبعة تترتب عليهما وليس هذا كقول القائل:

ثمانية عمت بأسبابها الورى ... فكل امرئ لا بد يلقى الثمانية

سرور وحزن واجتماع وفرقة ... وعسر ويسر ثم سقم وعافية

كما لا يخفى ولعل تأخير السراء للإشعار بأنها تعقب الضراء فلا ضير فيها فَأَخَذْناهُمْ عطف على مجموع عفوا وقالوا أو على قالوا لأنه المسبب عنه أي فأخذناهم إثر ذلك بَغْتَةً أي فجأة.

وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بشيء من ذلك ولا يخطرون ببالهم شيئا من المكاره، والجملة حال مؤكدة لمعنى لبغتة، وهذا أشد أنواع الأخذ كما قيل: وأنكأ شيء يفجؤك البغت، وقيل: المراد بعدم الشعور عدم تصديقهم بأخبار الرسل عليهم السلام بذلك لا خلو أذهانهم عنه ولا عن وقته لقوله تعالى: ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ [الأنعام: ١٣١] ولا يخفى ما فيه من الغفلة عن معنى الغفلة وعن محل الجملة.

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى أي القرى المهلكة المدلول عليها بقوله سبحانه: فِي قَرْيَةٍ فاللام للعهد الذكري والقرية وإن كانت مفردة لكنها في سياق النفي فتساوي الجمع، وجوز أن تكون اللام للعهد الخارجي إشارة إلى مكة وما حولها. وتعقب ذلك بأنه غير ظاهر من السياق، ووجه بأنه تعالى لما أخبر عن القرى الهالكة بتكذيب الرسل وأنهم لو آمنوا سلموا وغنموا انتقل إلى إنذار أهل مكة وما حولها مما وقع بالأمم والقرى السابقة.

وجوز في الكشاف أن تكون للجنس، والظاهر أن المراد حينئذ ما يتناول القرى المرسل إلى أهلها من المذكورة وغيرها لا ما لا يتناول قرى أرسل إليها نبي وأخذ أهلها بما أخذ وغيرها كما قيل لإباء ظاهر ما في حيز الاستدراك الآتي عنه آمَنُوا أي بما أنزل على أنبيائهم وَاتَّقَوْا أي ما حرم الله تعالى عليهم كما قال قتادة ويدخل في ذلك ما أرادوه من كلمتهم السابقة.

لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أي ليسرنا عليهم الخير من كل جانب، وقيل: المراد بالبركات السماوية المطر وبالبركات الأرضية النبات. وأيا ما كان ففي فتحنا استعارة تبعية. ووجه الشبه بين المستعار منه والمستعار له الذي أشرنا إليه سهولة التناول، ويجوز أن يكون هناك مجاز مرسل والعلاقة اللزوم ويمكن أن يتكلف

<<  <  ج: ص:  >  >>