لتحصيل الاستعارة التمثيلية، وفي الآية على ما قيل إشكال وهو أنه يفهم بحسب الظاهر منها أنه لم يفتح عليهم بركات من السماء والأرض، وفي [الأنعام: ٤٤] فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ وهو يدل على أنه فتح عليهم بركات من السماء والأرض وهو معنى قوله سبحانه: أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ لأن المراد منها الخصب والرخاء والصحة والعافية لمقابلة أخذناهم بالبأساء والضراء، وحمل فتح البركات على ادامته أو زيادته عدول عن الظاهر وغير ملائم لتفسيرهم الفتح بتيسير الخير ولا المطر والنبات. وأجاب عنه الخيالي بأنه ينبغي أن يراد بالبركات غير الحسنة أو يراد آمنوا من أول الأمر فنجوا من البأساء والضراء كما هو الظاهر، والمراد في سورة الأنعام بالفتح ما أريد بالحسنة هاهنا فلا يتوهم الاشكال انتهى. وأنت خبير بأن إرادة آمنوا من أول الأمر إلى آخره غير ظاهرة بل الظاهر أنهم لو أنهم آمنوا بعد أن ابتلوا ليسرنا عليهم ما يسرنا مكان ما أصابهم من فنون العقوبات التي بعضها من السماء كإمطار الحجارة وبعضها من الأرض كالرجفة وبهذا ينحل الاشكال لأن آية الأنعام لا تدل على أنه فتح لهم هذا الفتح كما هو ظاهر لتاليها، وما ذكر من أن المراد بالفتح هناك ما أريد بالحسنة هاهنا إن كان المراد به أن الفتح هناك واقع. وقع إعطاء الحسنة بدل السيئة هنا حيث كان ذكر كل منهما بعد ذكر الأخذ بالبأساء والضراء وبعده الأخذ بغتة فربما يكون له وجه لكنه وحده لا يجدي نفعا، وإن كان المراد به أن مدلول ذلك العام المراد به التكثير هو مدلول الحسنة فلا يخفى ما فيه فتدبر، وقيل: المراد بالبركات السماوية والأرضية الأشياء التي تحمد عواقبها ويسعد في الدارين صاحبها وقد جاءت البركة بمعنى السعادة في كلامهم فلتحمل هنا على الكامل من ذلك الجنس ولا يفتح ذلك إلا للمؤمن بخلاف نحو المطر والنبات والصحة والعافية فإنه يفتح له وللكافر أيضا استدراجا ومكرا، ويتعين هذا الحمل على ما قيل إذا أريد من القرى ما يتناول قرى أرسل إليها نبي وأخذ أهلها بما أخذ وغيرها، وقيل: البركات السماوية إجابة الدعاء والأرضية قضاء الحوائج فليفهم.
وقرأ ابن عامر «لفتّحنا» بالتشديد وَلكِنْ كَذَّبُوا أي ولكن لم يؤمنوا ولم يتقوا، وقد اكتفى بذكر الأول لاستلزامه الثاني للإشارة إلى أنه أعظم الأمرين فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ من أنواع الكفر والمعاصي التي من جملتها قولهم السابق، والظاهر أن هذا الأخذ والمتقدم في قوله سبحانه: فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ واحد وليس عبارة عن الجدب والقحط كما قيل: لأنهما قد زالا بتبديل الحسنة مكان السيئة، وحمل أحد الأخذين على الأخذ الأخروي والآخر على الدنيوي بعيد، ومن ذهب إلى حمل أل على الجنس على الوجه الأخير فيه يلزمه أن يحمل كذبوا فأخذناهم على وقوع التكذيب والأخذ فيما بينهم ولا يخفى بعده أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى الهمزة لانكار الواقع واستقباحه، وقيل: لانكار الوقوع ونفيه، وتعقب بأن فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إلخ يأباه، والفاء للتعقيب مع السبب، والمراد بأهل القرى قيل: أهل القرى المذكورة على وضع المظهر موضع المضمر للايذان بأن مدار التوبيخ أمن كل طائفة ما أتاهم من البأس لا أمن مجموع الأمم، وقيل: المراد بهم أهل مكة وما حواليها ممن بعث إليه نبينا صلّى الله عليه وسلّم وهو الأولى عندي وإلى ذلك ذهب محيي السنة، والعطف على القولين على فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً لا على محذوف ويقدر بما يناسب المقام كما وقع نحو ذلك في القرآن كثيرا، وأمر صدارة الاستفهام سهل، وقوله سبحانه: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا إلخ اعتراض توسط بينهما للمسارعة إلى بيان أن الأخذ المذكور مما كسبته أيديهم نظرا للأول ولأنه يؤيد ما ذكر من أن الأخذ بغتة ترتب على الإيمان والتقوى، ولو عكس لانعكس الأمر نظرا للثاني، ولو جعلت اللام فيما تقدم للجنس أكد كذا هذا الاعتراض المعطوف والمعطوف عليها وشملهما شمولا سواء على ما في الكشف ولم يجعل العطف على فأخذناهم الأقرب لأنه لم يسق لبيان القرى وقصة هلاكها قصدا كالذي قبله فكان العطف عليه