للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دونه أنسب وهذا إذا أريد بالقرى القرى المدلول عليها بما سبق، وأما إذا أريد بها مكة وما حولها فوجه ذلك أظهر لأن منشأ الإنكار ما أصاب الأمم السالفة لا ما أصاب أهل مكة ومن حولها من القحط وضيق الحال، وربما يقال: إذا كان المراد بأهل القرى في الموضعين أهل مكة وما حولها يكون العطف على الأقرب أنسب، والمعنى أبعد ذلك الأخذ لمن استكبر وتعزز وخالف الرسل عليهم السلام وشيوعه والعلم به يأمن أهل القرى المشاركون لهم في ذلك أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا أي عذابنا بَياتاً أي وقت بيات وهو مراد من قال ليلا، وهو مصدر بات ونصبه على الظرفية بتقدير مضاف، ويجوز أن يكون حالا من المفعول أي بائتين، وجوز أن يكون مصدر بيت ونصبه على أنه مفعول مطلق ليأتيهم من غير لفظه أي تبييتا أو حال من الفاعل بمعنى مبيتا بالكسر أو من المفعول بمعنى مبيتين بالفتح، واختار غير واحد الظرفية ليناسب ما سيأتي وَهُمْ نائِمُونَ حال من ضميرهم البارز أو المستتر في بياتا لتأويله بالصفة كما سمعت وهو حال متداخلة حينئذ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى انكار بعد إنكار للمبالغة في التوبيخ والتشديد، ولم يقصد الترتيب بينهما فلذا لم يؤت بالفاء.

وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر. أَوَبسكون الواو وهي لأحد الشيئين والمراد الترديد بين أن يأتيهم العذاب بياتا وما دل عليه قوله سبحانه: أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى أي ضحوة النهار وهو في الأصل ارتفاع الشمس أو شروقها وقت ارتفاعها ثم استعمل للوقت الواقع فيه ذلك وهو أحد ساعات النهار عندهم وهي الذرور والبزوغ والضحى والغزالة والهاجرة والزوال والدلوك والعصر والأصيل والصنوت والحدور والغروب وبعضهم يسميها البكور والشروق والإشراق والراد والضحى والمنوع والهاجرة والأصيل والعصر والطفل والحدور والغروب، ويكون كما قال الشهاب متصرفا إن لم يرد به وقت من يوم بعينه وغير متصرف إن أريد به ضحوة يوم معين فيلزم النصب على الظرفية وهو مقصور فإن فتح مد، وقد عدوا لفظ الضحى مما يذكر ويؤنث.

وَهُمْ يَلْعَبُونَ أي يلهون من فرط الغفلة وهو مجاز مرسل في ذلك، ويحتمل أن يكون هناك استعارة أي يشتغلون بما لا نفع فيه كأنهم يلعبون أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ تكرير لمجموع الانكارين السابقين جمعا بين التفريق قصدا إلى زيادة التحذير والإنذار، وذكر جمع من جلة المحققين أنه لو جعل تكرير له ولما سلف من غرة أهل القرى السابقة أيضا على معنى أن الكل نتيجة الأمن من مكر الله تعالى لجاز إلا أنه لما جعل تهديدا للموجودين كان الأنسب التخصيص، وفيه تأمل. والمكر في الأصل الخداع ويطلق على الستر يقال: مكر الليل أي ستر بظلمته ما هو فيه، وإذا نسب إليه سبحانه فالمراد به استدراجه العبد العاصي حتى يهلكه في غفلته تشبيها لذلك بالخداع، وتجوز هذه النسبة إليه سبحانه من غير مشاكلة خلافا لبعضهم، وهو هنا إتيان البأس في الوقتين والحالين المذكورين، وهل كان تبديل مكان السيئة الحسنة المذكور قبل مكرا واستدراجا أو ملاطفة ومراوحة؟ فيه خلاف والكل محتمل فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ أي الذين خسروا أنفسهم فأضاعوا فطرة الله التي فطر الناس عليها والاستعداد القريب المستفاد من النظر في الآيات والفاء هنا متعلق كما قال القطب الرازي وغيره بمقدر كأنه قيل فلما آمنوا خسروا فلا يأمن إلخ.

وقال أبو البقاء إنها للتنبيه على تعقيب العذاب أمن مكر الله تعالى، وقد يقال: إنها لتعليل ما يفهمه الكلام من ذم الأمن واستقباحه أو يقال إنها فصيحة، ويقدر ما يستفاد من الكلام شرطا أي إذا كان الأمن في غاية القبح فلا يرتكبه إلا من خسر نفسه، واستدلت الحنفية بالآية على أن الأمن من مكر الله تعالى وهو كما في جميع الجوامع الاسترسال في المعاصي اتكالا على عفو الله تعالى كفر، ومثله اليأس من رحمة الله تعالى لقوله تعالى: إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ [يوسف: ٨٧] وذهبت الشافعية إلى أنهما من الكبائر لتصريح ابن مسعود رضي الله تعالى عنه

<<  <  ج: ص:  >  >>