للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بذلك (١)

وروى ابن أبي حاتم. والبزار عن ابن عباس أنه صلّى الله عليه وسلّم سئل ما الكبائر؟ فقال: الشرك بالله تعالى واليأس من روح الله والأمن من مكر الله وهذا أكبر الكبائر

قالوا: وما ورد من أن ذلك كفر محمول على التغليظ وآية لا ييأس إلخ كقوله تعالى الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ [النور: ٣] ولا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ [المجادلة: ٢٢] في قوله. وقال بعض المحققين: إن كان في الأمن اعتقاد أن الله تعالى لا يقدر على الانتقام منه وكذا إذا كان في اليأس اعتقاد عدم القدرة على الرحمة والإحسان أو نحو ذلك فذلك مما لا ريب في أنه كفر وإن خلا عن نحو هذا الاعتقاد ولم يكن فيه تهاون وعدم مبالاة بالله تعالى فذلك كبيرة وهو كالمحاكمة بين القولين أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أي يخلفون من خلا قبلهم من الأمم، والمراد بهم كما روي عن السدي المشركون وفسروا بأهل مكة ومن حولها، وعليه لا يبعد أن يكون في الآية إقامة الظاهر مقام الضمير إذا كان المراد بأهل القرى سابقا أهل مكة وما حولها، وتعدية فعل الهداية باللام لأنها كما روي عن ابن عباس. ومجاهد بمعنى التبيين وهو على ما قيل: إما بطريق المجاز أو التضمين أو لتنزيله منزلة اللازم كأنه قيل: أغفلوا ولم يفعل الهداية لهم أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ أي بجزاء ذنوبهم كما أصبنا من قبلهم، وإذا ضمن أصبنا معنى أهلكنا لا يحتاج إلى تقدير مضاف. وأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدر وخبره الجملة الشرطية والمصدر المؤول فاعل يَهْدِ ومفعوله على احتمال التضمين محذوف أي أو لم يتبين لهم مآل أمرهم أو نحو ذلك. وجوز أن يكون الفاعل ضمير الله تعالى وأن يكون ضميرا عائدا على ما يفهم مما قبل، أي أو لم يهد لهم ما جرى على الأمم السابقة. وقرأ عبد الرحمن السلمي وقتادة، وروي عن مجاهد. ويعقوب «نهد» بالنون فالمصدر حينئذ مفعول، ومن الناس من خص اعتبار التضمين أو المجاز بهذه القراءة واعتبار التنزيل منزلة اللازم بقراءة الياء، وفيه بحث، وقوله تعالى: وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ جملة معترضة تذييلية أي ونحن من شأننا وسنتنا أن نطبع على قلب من لم نرد منه الايمان حتى لا يتعظ بأحوال من قبله ولا يلتفت إلى الأدلة، ومن أراد من أهل القرى فيما تقدم أهل مكة جعله تأكيدا لما نعى عليهم من الغرة والأمن والخسران أي ونحن نطبع على قلوبهم فلذلك اقتفوا آثار من قبلهم ولم يعتبروا بالآيات وأمنوا من البيات لمستخلفيهم حذو النعل بالنعل. وجوز عطفه على مقدر دل عليه قوله تعالى أَوَلَمْ يَهْدِ وعطفه عليه أيضا وهو وإن كان إنشاء إلا أن المقصود منه الإخبار بغفلتهم وعدم اهتدائهم أي لا يهتدون أو يغفلون عن الهداية أو عن التأمل والتفكر ونطبع إلخ.

وجوز أن يكون عطفا على يرثون، واعترض بأنه صلة والمعطوف على الصلة صلة ففيه الفصل بين أبعاض الصلة بأجنبي وهو أَنْ لَوْ نَشاءُ سواء كانت فاعلا أو مفعولا، ونقل أبو حيان عن الأنباري أنه قال: يجوز أن يكون معطوفا على أَصَبْناهُمْ إذ كان بمعنى نصيب فوضع الماضي موضع المستقبل عند وضوح معنى الاستقبال كما في قوله تعالى:

تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ [الفرقان: ١٠] أي إن يشأ، يدل عليه وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً [الفرقان: ١٠] فجعل لو شرطية بمعنى إن ولم يجعلها التي هي لما كان سيقع لوقوع غيره وجعل أصبنا بمعنى نصيب، وقد يرتكب التأويل في جانب المعطوف فيؤول «نطبع» بطبعنا، ورد الزمخشري هذا العطف بأنه لا يساعد عليه المعنى لأن القوم كانوا مطبوعا على قلوبهم موصوفين بصفة من قبلهم من اقتراف الذنوب والإصابة بها وذلك يؤدي إلى خلوهم عن هذه الصفة وأن الله تعالى لو شاء لا تصفوا بها، وتعقبه ابن المنير بأنه لا يلزم أن يكون المخاطبون موصوفين بالطبع ولا بد وهم وإن كانوا كفارا ومقترفين للذنوب فليس الطبع من لوازم الاقتراف البتة إذ هو التمادي على الكفر


(١) قيل الأشبه أن يكون الخبر مرفوعا اهـ منه

<<  <  ج: ص:  >  >>