للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير النفاق، والمعنى إذ يقول الجامعون بين النفاق ومرض القلوب، وقيل: يجوز أن يكون الموصول صفة المنافقين، وتوسطت الواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف لأن هذه صفة للمنافقين لا تنفك عنهم، أو تكون الواو داخلة بين المفسر والمفسر نحو أعجبني زيد وكرمه، وزعم بعضهم أن ذلك وهم وهو من التحامل بمكان إذ لا مانع من ذلك صناعة ولا معنى، والقول بأن وجه الوهم فيه أن المنافقين جار على موصوف مقدر أي القوم المنافقون فلا يوصف ليس بوجيه إذ للقائل أن يقول: إنه أجرى المنافقون هنا مجرى الأسماء مع أن الصفة لا مانع من أن توصف وقيام العرض بالعرض دون إثبات امتناعه خرط القتاد، ومن فسر الذين في قلوبهم مرض بأولئك الفئة الذين أسلموا بمكة قال: إنهم لما رأوا قلة المسلمين قالوا: غَرَّ هؤُلاءِ يعنون المؤمنين الذين مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دِينُهُمْ حتى تعرضوا لمن لا يدي لهم به فخرجوا وهم ثلاثمائة وبضعة عشر إلى زهاء الألف، وعلى احتمال جعله صفة للمنافقين يشعر كلام البعض أن القول لم يكن عند التلاقي، فقد روي عن الحسن أن هؤلاء المنافقين لم يشهدوا القتال يوم بدر.

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: هم يومئذ في المسلمين، وفي القلب من هذا شيء، فإن الذي تشهد له الآثار أن أهل بدر كانوا خلاصة المؤمنين وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ جواب لهم ورد لمقالتهم فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غالب لا يذل من توكل عليه ولا يخذل من استجار به وإن قل حَكِيمٌ يفعل بحكمته البالغة ما تستبعده العقول، وتحار في فهمه ألباب الفحول. وجواب الشرط محذوف لدلالة المذكور عليه أو أنه قائم مقامه وَلَوْ تَرى خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم أو لكل أحد ممن له حظ من الخطاب، والمضارع هنا بمعنى الماضي لأن لَوْ الامتناعية ترد المضارع ماضيا كما أن ترد الماضي مضارعا، أي ولو رأيت إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ إلخ لرأيت أمرا فظيعا، ولا بد عند العلامة من حمل معنى المضي هنا على الفرض والتقدير، وليس المعنى على حقيقة المضي، قيل:

والقصد إلى استمرار امتناع الرؤية وتجدده وفيه بحث، وإذ ظرف لترى والمفعول محذوف، أي ولو ترى الكفرة أو حالهم حينئذ، والْمَلائِكَةُ فاعل يتوفى، وتقديم المفعول للاهتمام به، ولم يؤنث الفعل لأن الفاعل غير حقيقي التأنيث، وحسن ذلك الفصل بينهما، ويؤيد هذا الوجه قراءة ابن عامر «تتوفى» بالتاء. وجوز أبو البقاء أن يكون الفاعل ضمير الله تعالى، والملائكة على هذا مبتدأ خبره جملة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ والجملة الاسمية مستأنفة، وعند أبي البقاء في موضع الحال، ولم يحتج إلى الواو لأجل الضمير، ومن يرى أنه لا بد فيها من الواو وتركها ضعيف يلتزم الأول، وعلى الأول يحتمل أن يكون جملة يضربون مستأنفة وأن تكون حالا من الفاعل أو المفعول أو منهما لاشتمالها على ضميريهما وهي مضارعية يكتفى فيها بالضمير كما لا يخفى. والمراد من وجوههم ما أقبل منهم، ومن قوله سبحانه: وَأَدْبارَهُمْ ما أدبر وهو كل الظهر. وعن مجاهد أن المراد منه أستاههم ولكن الله تعالى كريم يكني والأول أولى، وذكرهما يحتمل أن يكون للتخصيص بهما لأن الخزي والنكال في ضربهما أشد ويحتمل أن يراد التعميم على حد قوله تعالى: بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ [الأعراف: ٢٠٥، الرعد: ١٥، النور: ٣٦] لأنه أقوى ألما، والمراد من الذين كفروا قتلى بدر كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وغيره.

وروي عن الحسن أن رجلا قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك فقال عليه الصلاة والسلام: ذلك ضرب الملائكة.

وفي رواية عن ابن عباس ما يشعر بالعموم. فقد أخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال: آيتان يبشر بهما الكافر عند موته وقرأ وَلَوْ تَرى إلخ، ولعل الرواية عنه رضي الله تعالى عنه لم تصح وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ عطف على يَضْرِبُونَ بإضمار القول، أي ويقولون ذوقوا، أو حال من ضميره كذلك أي ضاربين وجوههم وقائلين ذوقوا، وهو على الوجهين من قول الملائكة، والمراد بعذاب الحريق عذاب النار في الآخرة، فهو

<<  <  ج: ص:  >  >>