للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشارة لهم من الملائكة بما هو أدهى وأمرّ مما هم فيه، وقيل كان مع الملائكة يوم بدر مقامع من حديد كلما ضربوا المشركين بها التهبت النار في جراحاتهم، وعليه فالقول للتوبيخ، والتعبير بذوقوا قيل: للتهكم لأن الذوق يكون في المطعومات المستلذة غالبا، وفيه نكتة أخرى وهو أنه قليل من كثير وأنه مقدمة كأنموذج الذائق. وبهذا الاعتبار يكون فيه المبالغة، وإن أشعر الذوق بقلته.

وذكر بعضهم: وهو خلاف الظاهر أنه يحتمل أن يكون هذا القول من كلام الله كما في [آل عمران: ١٨١] وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ وجواب لَوْ محذوف لتفظيع الأمر وتهويله وتقديره ما أشرنا إليه سابقا، وقدره الطيبي لرأيت قوة أوليائه ونصرهم على أعدائه ذلِكَ أي الضرب والعذاب اللذان هما هما وهو مبتدأ خبره قوله تعالى: بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ والباء للسببية، وتقديم الأيدي مجاز عن الكسب والفعل، أي ذلك واقع بسبب ما كسبتم من الكفر والمعاصي، وقوله سبحانه: وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ قيل خبر مبتدأ محذوف، والجملة اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبلها، أي والأمر أنه تعالى ليس بمعذب لعبيده من غير ذنب من قبلهم، والتعبير عن ذلك بنفي الظلم مع أن تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم قطعا على ما تقرر من قاعدة أهل السنة فضلا عن كونه ظلما بالغا لبيان كمال نزاهته تعالى بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه تعالى من الظلم.

وقال البيضاوي بيض الله غرة أحواله: هو عطف على ما للدلالة على أن سببيته مقيدة بانضمامه إليه إذ لولاه لأمكن أن يعذبهم بغير ذنوبهم. لا أن لا يعذبهم بذنوبهم، فإن ترك التعذيب من مستحقه ليس بظلم شرعا ولا عقلا حتى ينتهض نفي الظلم سببا للتعذيب وأراد بذلك الرد على الزمخشري عامله الله تعالى بعدله حيث جعل كلّا من الأمرين سببا بناء على مذهبه في وجوب الأصلح، فقوله: لا أن لا يعذبهم عطف على أن يعذبهم والمعنى أن سبب هذا القيد دفع احتمال أن يعذبهم بغير ذنوبهم لا احتمال أن لا يعذبهم بذنوبهم فإنه أمر حسن، وقوله للدلالة إلخ على معنى أن تعينه للسببية إنما يحصل بهذا القيد إذ بإمكان تعذيبهم بغير ذنب يحتمل أن يكون سبب التعذيب إرادة العذاب بلا ذنب، فحاصل معنى الآية أن عذابكم هذا إنما نشأ من ذنوبكم لا من شيء آخر. فلا يرد عليه ما قيل: كون تعذيب الله تعالى للعباد بغير ذنب ظلما لا يوافق مذهب الجماعة، وما قيل: إن هذا يخالف ما في آل عمران من أن سببيته للعذاب من حيث إن نفي الظلم يستلزم العدل المقتضي إثابة المحسن ومعاقبة المسيء مدفوع بأن لنفي الظلم معنيين:

أحدهما ما ذكر من إثابة المحسن إلخ، والآخر عدم التعذيب بلا ذنب وكل منهما يؤول إلى معنى العدل فلا تدافع بين كلاميه. وأما جعله هناك سببا وهنا قيدا للسبب فلا يوجب التدافع أيضا فإن المراد كما ذكرنا فيما قبل بالسبب الوسيلة المحضة وهو وسيلة سواء اعتبر سببا مستقلا أو قيدا للسبب. ولمولانا شيخ الإسلام في هذا المقام كلام لا يخفى عليك رده بعد الوقوف على ما ذكرنا. وقد تقدم لك بسط الكلام فيه، ومن الناس من بين قول القاضي: للدلالة إلخ بقوله يريد أن سببية الذنوب للعذاب تتوقف على انتفاء الظلم منه تعالى فإنه لو جاز صدوره عنه سبحانه لأمكن أن يعذب عبيده بغير ذنوبهم. فلا يصلح أن يكون الذنب سببا للعذاب لا في هذا الصورة ولا في غيرها ثم قال: فإن قلت: لا يلزم من هذا إلا نفي انحصار السبب للعذاب في الذنوب لا نفي سببيتها له والكلام فيه إذ يجوز أن يقع العذاب في الصورة المفروضة بسبب غير الذنوب، ولا ينافي هذا كونها سببا له في غير هذه الصورة كما في أهل بدر.

فلا يتم التقريب.

قلت: السبب المفروض في الصورة المذكورة إن أوجب استحقاق العذاب يكون ذنبا لا محالة. والمفروض خلافه وإن لم يوجب فلا يتصور أن يكون سببا إذ لا معنى لكون شيء سببا إلا كونه مقتضيا لاستحقاقه له فإذا انتفى

<<  <  ج: ص:  >  >>