للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفاء الرابطة لجواب الشرط فهو تنجيز لا تعليق حتى لو قال: إن دخلت الدار أنت طالق تطلق في الحال وهو مبني على قواعد العربية أيضا وهو خلاف المتعارف الآن فينبغي بناؤه على العرف فيكون تعليقا وهو المروي عن أبي يوسف.

وفي البحر أن الخلاف مبني على جواز حذفها اختيارا وعدمه فأجازه أهل الكوفة وعليه فرع أبو يوسف ومنعه أهل البصرة وعليه تفرع المذهب. وفي شرح نظم الكنز للمقدسي أنه ينبغي ترجيح قول أبي يوسف لكثرة حذف الفاء في الفصيح ولقولهم: العوام لا يعتبر منهم اللحن في قولهم: أنت واحدة بالنصب الذي لم يقل به أحد اه هذا ثم إن ما ذكر إنما هو في القسم بخلاف التعليق وهو وإن سمي عند الفقهاء حلفا ويمينا لكنه لا يسمى قسما فإن القسم خاص باليمين بالله تعالى كما صرح به القهستاني فلا يجري فيه اشتراط اللام والنون في المثبت منه لا عند الفقهاء ولا عند اللغويين، ومنه الحرام يلزمني وعلي الطلاق لا أفعل كذا فإنه يراد به في العرف إن فعلت كذا فهي طالق فيجب امضاؤه عليهم كما صرح به في الفتح وغيره. قال الحلبي: وبهذا يندفع ما توهمه بعض الأفاضل من أن في قول القائل: علي الطلاق أجيء اليوم إن جاء في اليوم وقع الطلاق وإلا فلا لعدم اللام والنون. وأنت خبير بأن النحاة إنما اشترطوا ذلك في جواب القسم المثبت لا في جواب الشرط وكيف يسوغ لعاقل فضلا عن فاضل أن يقول إن قام زيد أقم على معنى إن قام زيد لم أقم، على أن أجيء ليس جواب الشرط بل هو فعل الشرط لأن المعنى إن لم أجئ اليوم فأنت طالق، وقد وقع هذا الوهم لكثير من المفتين كالخير الرملي وغيره، وقال السيد أحمد الحموي في تذكرته الكبرى: رفع إلى سؤال صورته رجل اغتاظ من ولد زوجته فقال: علي الطلاق بالثلاث أني أصبح أشتكيك من النقيب فلما أصبح تركه ولم يشتكه ومكث مدة فهل والحالة هذه يقع عليه الطلاق أم لا؟ الجواب (١) إذا ترك شكايته ومضت مدة بعد حلفه لا يقع عليه الطلاق لأن الفعل المذكور وقع في جواب اليمين وهو مثبت فيقدر النفي حيث لم يؤكد ثم قال: فأجبت أنا بعد الحمد لله تعالى ما أفتى به هذا المجيب من عدم وقوع الطلاق معللا بما ذكر فمنبئ عن فرط جهله وحمقه وكثرة مجازفته في الدين وخرقه إذ ذاك في الفعل إذا وقع جوابا للقسم بالله تعالى نحو تفتأ لا في جواب اليمين بمعنى التعليق بما يشق من طلاق وعتق ونحوهما وحينئذ إذا أصبح الحالف ولم يشتكه وقع عليه الطلاق الثلاث وبانت زوجته منه بينونة كبرى اه ولنعم ما قال ولله تعالى در القائل:

من الدين كشف الستر عن كل كاذب ... وعن كل بدعي أتى بالعجائب

فلولا رجال مؤمنون لهدمت ... صوامع دين الله من كل جانب

«وفتئ» هذه من أخوات كان الناقصة كما أشرنا إليه ويقال فيها: فتأ كضرب وأفتأ كأكرم، وزعم ابن مالك أنها تكون بمعنى سكن وفتر فتكون تامة وعلى ذلك جاء تفسير مجاهد- للاتفتأ- بلا تفتر عن حبه، وأوله الزمخشري بأنه عليه الرحمة جعل الفتوء والفتور أخوين أي متلازمين لا أنه بمعناه فإن الذي بمعنى فتر وسكن هو فثأ بالمثلثة كما في الصحاح من فثأت القدر إذا سكن غليانها والرجل إذا سكن غضبه، ومن هنا خطأ أبو حيان ابن مالك فيما زعمه وادعى أنه من التصحيف. وتعقب بأن الأمر ليس كما قاله فإن ابن مالك نقله عن الفراء وقد صرح به السرقسطي ولا يمتنع اتفاق مادتين في معنى وهو كثير، وقد جمع ذلك ابن مالك في كتاب سماه- ما اختلف إعجامه واتفق إفهامه- ونقله عنه صاحب القاموس. واستدل بالآية على جواز الحلف بغلبة الظن، وقيل: إنهم علموا ذلك منه ولكنهم نزلوه منزلة المنكر


(١) المجيب عبد المنعم البنتيني اه منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>