للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلذا أكدوه بالقسم أي نقسم بالله تعالى لا تزال ذاكر يوسف متفجعا عليه حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً مريضا مشفيا على الهلاك، وقيل: الحرض من أذابه هم أو مرض وجعله مهزولا نحيفا، وهو في الأصل مصدر حرض فهو حرض بكسر الراء، وجاء أحرضني كما في قوله:

إني امرؤ لج بي حب فأحرضني ... حتى بليت وحتى شفني السقم

ولكونه كذلك في الأصل لا يؤنث ولا يثني ولا يجمع لأن المصدر يطلق على القليل والكثير، وقال ابن إسحاق: الحرض الفاسد الذي لا عقل له. وقرئ «حرضا» بفتح الحاء وكسر الراء.

وقرأ الحسن البصري «حرضا» بضمتين ونحوه من الصفات رجل جنب وغرب (١) أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ أي الميتين، وأَوْ قيل: يحتمل أن تكون بمعنى بل أو بمعنى إلى، فلا يرد عليه أن حق هذا التقديم على حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً فإن كانت للترديد فهي لمنع الخلو والتقديم على ترتيب الوجود كما قيل في قوله تعالى: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة: ٢٥٥] أو لأنه أكثر وقوعاالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي

البث في الأصل إثارة الشيء وتفريقه كبث الريح التراب واستعمل في الغم الذي لا يطيق صاحبه الصبر عليه كأنه ثقل عليه فلا يطيق حمله وحده فيفرقه على من يعينه، فهو مصدر بمعنى المفعول وفيه استعارة تصريحية. وجوز أن يكون بمعنى الفاعل أي الغم الذي بث الفكر وفرقه، وأيّا ما كان فالظاهر أن القوم قالوا ما قالوا بطريق التسلية والإشكاء فقال في جوابهم: إني لا أشكو ما بي إليكم أو إلى غيركم حتى تتصدوا لتسليتي وإنما أشكو غمي حُزْنِي إِلَى اللَّهِ

تعالى ملتجئا إلى جنابه متضرعا في دفعه لدى بابه فإنه القادر على ذلك.

وفي الخبر عن ابن عمر قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كنوز البر إخفاء الصدقة وكتمان المصائب والأمراض ومن بث لم يصبر»

وقرأ الحسن وعيسى «حزني» بفتحتين وقرأ قتادة بضمتين. أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ

أي من لطفه ورحمته الا تَعْلَمُونَ

فأرجو أن يرحمني ويلطف بي ولا يخيب رجائي، فالكلام على حذف مضاف ونَ

بيانية قدمت على المبين وقد جوزه النحاة. وجوز أن تكون ابتدائية أي أعلم وحيا أو إلهاما أو بسبب من أسباب العلم من جهته تعالى ما لا تعلمون من حياة يوسف عليه السلام.

قيل: إنه عليه السلام علم ذلك من الرؤيا حسبما تقدم، وقيل إنه رأى ملك الموت في المنام فأخبره أن يوسف حي ذكره غيره واحد ولم يذكروا له سندا

والمروي عن ابن أبي حاتم عن النضر أنه قال: بلغني أن يعقوب عليه السلام مكث أربعة وعشرين عاما لا يدري أيوسف عليه السلام حي أم ميت حتى تمثل له ملك الموت عليه السلام فقال له:

من أنت؟ قال: أنا ملك الموت فقال: أنشدك باله يعقوب هل قبضت روح يوسف؟ قال: لا فعند ذلك قال عليه السلام:

يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا

أي فتعرفوا، وهو تفعل من الحس وهو في الأصل الإدراك بالحاسة، وكذا أصل التحسس طلب الإحساس، واستعماله في التعرف استعمال له في لازم معناه، وقريب منه التجسس بالجيم، وقيل: إنه به في الشر وبالحاء في الخير ورد بأنه، قرئ هنا «فتجسسوا» بالجيم أيضا، وقال الراغب: أصل الجس مس العرق وتعرف نبضه للحكم به على الصحة والمرض وهو أخص من الحس فإنه تعرف ما يدركه الحس والجس تعرف حال ما من ذلك مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ أي من خبرهما، ولم يذكر الثالث لأن غيبته اختيارية لا يعسر إزالتها، وعلى فرض ذلك الداعية فيهم للتحسس منه لكونه أخاهم قوية فلا حاجة لأمرهم بذلك، والجار متعلق بما عنده وهو بمعنى عن بناء على ما نقل


(١) في الصحاح هو غريب وغرب أيضا بضم الغين والراء اه منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>