للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له في العرف وليس ذلك بمراد بل المراد ما سمعت، وحاصله لا يقدرون على نصره إلا الله تعالى القدير وَما كانَ في نفسه مُنْتَصِراً ممتنعا بقوته عن انتقام الله تعالى منه هُنالِكَ أي في ذلك المقام وتلك الحال التي وقع فيها الإهلاك الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ أي النصرة له تعالى وحده لا يقدر عليها أحد فالجملة تقرير وتأكيد لقوله تعالى وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ إلخ، أو ينصر فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة كما نصر سبحانه بما فعل بالكافر أخاه المؤمن فالولاية بمعنى النصرة على الوجهين إلا أنها على الأول مطلقة أو مقيدة بالمضطر ومن وقع به الهلاك وعلى هذا مقيدة بغير المضطر وهم المؤمنون، ويعضد أن المراد نصرتهم قوله تعالى: هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً أي عاقبة لأوليائه، ووجه ذلك أن الآية ختمت بحال الأولياء فيناسب أن يكون ابتداؤها كذلك.

وقرأ الأخوان والأعمش وابن وثاب وشيبة وابن غزوان عن طلحة وخلف وابن سعدان وابن عيسى الأصبهاني وابن جرير «الولاية» بكسر الواو وهي والولاية بالفتح بمعنى واحد عند بعض أهل اللغة كالو كالة والوكالة والوصاية والوصاية، وقال الزمخشري: هي بالفتح النصرة والتولي وبالكسر السلطان والملك أي هنالك السلطان له عز وجل لا يغلب ولا يمتنع منه ولا يعبد غيره كقوله تعالى: فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [العنكبوت: ٦٥] فتكون الجملة تنبيها على أن قوله يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ إلخ كان عن اضطرار وجزع عما دهاه ولم يكن عن ندم وتوبة، وحكي عن أبي عمرو والأصمعي أنهما قالا: إن كسر الواو لحن هنا لأن فعالة إنما تجيء فيما كان صنعة ومعنى متقلدا كالكتابة والإمارة والخلافة وليس هنا تولي أمر إنما هي الولاية بالفتح بمعنى الدين بالكسر ولا يعول على ذلك.

واستظهر أبو حيان كون هُنالِكَ إشارة إلى الدار الآخرة أي في تلك الدار الولاية لله الحق ويناسب قوله تعالى: هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً ويكون كقوله تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [غافر: ١٦] والظاهر على جميع ذلك أن الوقف على مُنْتَصِراً وقوله تعالى: هُنالِكَ إلخ ابتداء كلام، وحينئذ فالولاية مبتدأ ولِلَّهِ الخبر والظرف معمول الاستقرار والجملة مفيدة للحصر لتعريف المسند إليه واقتران الخبر بلام الاختصاص كما قرر في «الحمد لله رب العالمين» وقال أبو البقاء: يجوز أن يكون «هنالك» خبر «الولاية» أو الولاية مرفوعة به و «لله» يتعلق بالظرف أو بالعامل فيه أو بالولاية، ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف وقع حالا منها.

وقال بعضهم: إن الظرف متعلق بمنتصرا والإشارة إلى الدار الآخرة، والمراد الإخبار بنفي أن ينتصر في الآخرة بعد نفي أن تكون له فئة تنصره في الدنيا. والزجاج جعله متعلقا بمنتصرا أيضا إلا أنه قال: وما كان منتصرا في تلك الحالة، والْحَقِّ نعت للاسم الجليل.

وقرأ الاخوان وحميد والأعمش وابن أبي ليلى وابن مناذر واليزيدي وابن عيسى الأصبهاني الحق بالرفع على أنه صفة الْوَلايَةُ وجوز أبو البقاء أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هي أو هو الحق وأن يكون مبتدأ وهو خبره وقرأ أبي «هنالك الولاية الحق لله» بتقديم الْحَقِّ ورفعه وهو يرجح كون الْحَقِّ نعتا للولاية في القراءة السابقة.

وقرأ أبو حيوة وزيد بن علي وعمرو بن عبيد وابن أبي عبلة وأبو السمال ويعقوب عن عصمة عن أبي عمرو «الحق» بالنصب على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة والناصب له عامل مقدر كما في قولك: هذا عبد الله حقا، ويحتمل أنه نعت مقطوع.

وقرأ الحسن والأعمش وحمزة وعاصم وخلف «عقبا» بسكون القاف والتنوين، وعن عاصم «عقبى» بألف التأنيث المقصور على وزن رجعى، والجمهور بضم القاف والتنوين والمعنى في الكل ما تقدم.

وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي اذكر لهم ما يشبهها في زهرتها ونضارتها وسرعة زوالها لئلا يغتروا بها ولا يضربوا عن الآخرة صفحا بالمرة أو اذكر لهم صفتها العجيبة التي هي في الغرابة كالمثل وبينها لهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>