للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبح باسم من أهوى ودعني من الكنى ... فلا خير في اللذات من دونها ستر

ولا يخفى أن هذا خلاف المنصور عند الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم فإنهم حافظوا على كتم الأسرار عن الأغيار وأوصوا بذلك، ويكفي حجة في هذا المطلب ما نسب إلى زين العابدين رضي الله تعالى عنه وهو:

إني لأكتم من علمي جواهره ... كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا

وقد تقدم في هذا أبو حسن ... إلى الحسين ووصى قبله الحسنا

فرب جوهر علم لو أبوح به ... لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا

ولا ستحل رجال مسلمون دمي ... يرون أقبح ما يأتونه حسنا

نعم المغلوب وكذا المأمور معذور وعند الضرورة يباح المحظور، وما أحسن قول الشهاب القتيل:

وا رحمتا للعاشقين تكلفوا ... ستر المحبة والهوى فضاح

بالسر إن باحوا تباح دماؤهم ... وكذا دماء البائحين تباح

وإذا هم كتموا يحدث عنهم ... عند الوشاة المدمع السحاح

وما ذكر أولا يكون مستمسكا في الذب عن الشيخ الأكبر قدس سره وأضرابه فإنهم لم يبالوا في كشف الحقائق التي يدعونها بكونه سببا لضلال كثير من الناس وداعيا للإنكار عليهم، وقد استدل بعض بالآية في الرد عليهم بناء على أن المعنى الحق ما يكون من جهته تعالى وما جاؤوا به ليس من جهته سبحانه لأنه لا تشهد له آية ولا يصدقه حديث ولا يؤيده أثر. وأجيب بأن ذلك ليس إلا من الآيات والأحاديث إلا أنه لا يستنبط منها إلا بقوة قدسية وأنوار إلهية فلا يلزم من عدم فهم المنكرين لها من ذلك لحرمانهم تلك القوة واحتجابهم عن هاتيك الأنوار عدم حقيتها فكم من حق لم تصل إليه أفهامهم. واعترض بأنه لو كان الأمر كذلك لظهر مثل تلك الحقائق في الصدر الأول فإن أرباب القوى القدسية والأنوار الإلهية فيه كثيرون والحرص على إظهار الحق أكثر، وأجيب بأنه يحتمل أن يكون هناك مانع أو عدم مقتض لإظهار ما أظهر من الحقائق، وفيه نوع دغدغة ولعله سيأتيك إن شاء الله تعالى ما عسى أن ينفعك هنا، وبالجملة أمر الشيخ الأكبر وأضرابه قدس الله تعالى أسرارهم فيما قالوا ودونوا عندي مشكل لا سيما أمر الشيخ فإنه أتى بالداهية الدهياء مع جلالة قدره التي لا تنكر، ولذا ترى كثيرا من الناس ينكرون عليه ويكرون، وما ألطف ما قاله فرق جنين العصابة الفاروقية والراقي في مراقي التنزلات الموصلية في قصيدته التي عقد اكسيرها في مدح الكبريت الأحمر فغدا شمسا في آفاق مدائح الشيخ الأكبر وهو قوله:

ينكر المرء منه أمرا فينها ... هـ نهاه فينكر الانكارا

تنثني عنه ثم تثني عليه ... ألسن تشبه الصحاة سكارى

يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ قيل هي إشارة إلى أنهم يحلون حقائق التوحيد الذاتي ومعاني التجليات العينية الأحدية وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً إشارة إلى أنهم متصفون بصفات بهيجة حسنة نضرة موجبة للسرور مِنْ سُنْدُسٍ الأحوال والمواهب وعبر عنها بالسندس لكونها ألطف وَإِسْتَبْرَقٍ الأخلاق والمكاسب، وعبر عنها بالاستبرق لكونها أكثف مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ قيل أي أرائك الأسماء الإلهية وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ إلخ فيه من تسلية الفقراء المتوكلين على الله تعالى وتنبيه الأغنياء المغرورين ما فيه، وقال النيسابوري: الرجلان هما النفس الكافرة والقلب المؤمن جَعَلْنا لِأَحَدِهِما وهو النفس جَنَّتَيْنِ هما الهوى والدنيا مِنْ أَعْنابٍ الشهوات وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ حب الرياسة وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً من التمتعات البهيمية وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً من

<<  <  ج: ص:  >  >>