للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القوى البشرية والحواس وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ من أنواع الشهوات وَهُوَ يُحاوِرُهُ أي يجاذب النفس أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا أي ميلا وَأَعَزُّ نَفَراً من الأوصاف المذمومة وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ في الاستمتاع بجنة الدنيا على وفق الهوى لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها قال ذلك غرورا بالله تعالى وكرمه فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها من العمر وحسن الاستعداد انتهى.

وقد التزم هذا النمط في أكثر الآيات ولا بدع فهو شأن كثير من المؤولين هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً قال ابن عطاء: للطالبين له سبحانه لا للجنة وَخَيْرٌ عُقْباً للمريدين وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ قيل هي المحبة الدائمة والمعرفة الكاملة والأنس بالله تعالى والإخلاص في توحيده سبحانه والانفراد به جل وعلا عن غيره فهي باقية للمتصف بها وصالحة لا اعوجاج فيها وهي خير المنازل، وقد تفسر بما يعمها وغيرها من الأعمال الخالصة والنيات الصادقة وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً قال ابن عطاء: دل سبحانه بهذا على إظهار جبروته وتمام قدرته وعظيم عزته ليتأهب العبد لذلك الموقف ويصلح سريرته وعلانيته لخطاب ذلك المشهد وجوابه عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا

إخبار عن جميع بني آدم وإن كان المخاطب في قوله سبحانه لْ زَعَمْتُمْ

إلخ بعضهم، ذكر أنه يعرض كل صنف صفا، وقيل الأنبياء عليهم السلام صف والأولياء صف وسائر المؤمنين صف والمنافقون والكافرون صف وهم آخر الصفوف فيقال لهم قَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ

على وصف الفطرة الأولية عاجزين منقطعين إليه سبحانه وَوُضِعَ الْكِتابُ أي الكتب فيوضع كتاب الطاعات للزهاد والعباد وكتاب الطاعات والمعاصي للعموم وكتاب المحبة والشوق والعشق للخصوص، ولبعضهم:

وأودعت الفؤاد كتاب شوق ... سينشر طيه يوم الحساب

وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً قال أبو حفص: أشد آية في القرآن على قلبي هذه الآية ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ قيل أي ما أشهدتهم أسرار ذلك والدقائق المودعة فيه وإنما أشهد سبحانه ذلك أحباءه وأولياءه وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا لأنه مظهر الأسماء المختلفة والعالم الأصغر الذي انطوى فيه العالم الأكبر، هذا والله تعالى أعلم بأسرار كتابه وَإِذْ قالَ مُوسى هو ابن عمران نبي بني إسرائيل عليه السلام على الصحيح، فقد أخرج الشيخان والترمذي والنسائي وجماعة من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إن نوفا (١) البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل فقال: كذب عدو الله ثم ذكر حديثا طويلا فيه الإخبار عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما هو نص في أنه موسى بني إسرائيل، وإلى إنكار ذلك ذهب أيضا أهل الكتاب وتبعهم من تبعهم من المحدثين والمؤرخين وزعموا أن موسى هنا هو موسى بن ميشا بالمعجمة ابن يوسف بن يعقوب، وقيل: موسى بن إفرائيم بن يوسف وهو موسى الأول، قيل وإنما أنكره أهل الكتاب لإنكارهم تعلم النبي من غيره. وأجيب بالتزام أن التعلم من نبي ولا غضاضة في تعلم نبي من نبي. وتعقب بأنه ولو التزموا ذلك وسلموا نبوة الخضر عليه السلام لا يسلمون أنه موسى بن عمران لأنهم لا تسمح أنفسهم بالقول بتعلم نبيهم الأفضل


(١) هو ابن فضالة ابن امرأة كعب، وقيل: ابن أخيه والمشهور الأول وهو من أصحاب أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه، وبكال قيل بضم الباء حي من اليمن. وعن المبرد البكالي بكسر الباء نسبة إلى بكالة من اليمن، وفي شرح مسلم للنووي البكالي ضبطه الجمهور بكسر الموحدة وتخفيف الكاف ورواه بعضهم بفتحها وتشديد الكاف قال القاضي: وهذا ضبط أكثر الشيوخ وأصحاب الحديث والصواب الأول وهو قول المحققين وهو منسوب إلى بني بكال بطن من حمير وقيل: من همدان اه منه. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>