للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عوج بن عوق، وأيضا هم يقولون: له قدرة الكون في الهواء فما منعهم من أن يقولوا بأنه يحتمل أنه لم يركب وتحفظ عن الماء بالهواء كما قالوا باحتمال أنه كان في الهواء في الجواب عن حديث البخاري، وأيضا ذكر بعضهم عن العلامي في تفسيره أن الخضر يدور في البحار يهدي من ضل فيها والياس يدور في الجبال يهدي من ضل فيها هذا دأبهما في النهار وفي الليل يجتمعان عند سد يأجوج ومأجوج يحفظانه فلم لم يقولوا: إنه عليه السلام بقي في البحر حين ركب غيره السفينة ولعلهم إنما لم يقولوا ذلك لأن ما ذكر

قد روى قريبا منه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن أنس مرفوعا ولفظه «إن الخضر في البحر والياس في البر يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين» الخبر

، وقد قالوا: إن سنده واه أو لأنهم لا يثبتون له هذه الخدمة الإلهية في ذلك الوقت، ويوشك أن يقولوا في إعطائه قوة التشكل والكون في الهواء كذلك. وعن الثالث بأنه لا نسلم الاتفاق على أنه مات كل أهل السفينة ولم يبق بعد الخروج منها غير نسل نوح عليه السلام والخصر في الآية إضافي بالنسبة إلى المكذبين بنوح عليه السلام. وأيضا المراد أنه مات كل من كان ظاهرا مشاهدا غير نسله عليه السلام بدليل أن الشيطان كان أيضا في السفينة. وأيضا المراد من الآية بقاء ذريته عليه السلام على وجه التناسل وهو لا ينفي بقاء من عداهم من غير تناسل ونحن ندعي ذلك في الخضر على أن القول بأنه كان قبل نوح عليهما السلام قول ضعيف والمعتمد كونه بعد ذلك ولا يخفى ما في بعض ما ذكر من الكلام.

وعن الرابع بأنه لا يلزم من كون تعميره من أعظم الآيات أن يذكر في القرآن العظيم كرات، وإنما ذكر سبحانه نوحا عليه السلام تسلية لنبينا صلّى الله عليه وسلّم بما لاقى من قومه في هذه المدة مع بقائهم مصرين على الكفر حتى أغرقوا ولا توجد هذه الفائدة في ذكر عمر الخضر عليه السلام لو ذكر، على أنه قد يقال: من ذكر طول عمر نوح عليه السلام تصريحا يفهم تجويز عمر أطول من ذلك تلويحا.

وتعقب بأن لنا أن نعود فنقول: لا أقل من أن يذكر هذا الأمر العظيم في القرآن العظيم مرة لأنه من آيات الربوبية في النوع الإنساني، وليس المراد أنه يلزم عقلا من كونه كذلك ذكره بل ندعي أن ذكر ذلك أمر استحساني لا سيما وقد ذكر تعمير عدو الله تعالى إبليس عليه اللعنة فإذا ذكر يكون القرآن مشتملا على ذكر معمر من الجن مبعد وذكر معمر من الإنس مقرب ولا يخفى حسنه، وربما يقال: إن فيه أيضا إدخال السرور على النبي صلّى الله عليه وسلّم، وبأن التجويز المذكور في حيز العلاوة مما لا كلام فيه إنما الكلام في الوقوع ودون إثباته الظفر بماء الحياة، وأجاب بعضهم بأن في قوله تعالى: آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا إشارة إلى طول عمره عليه السلام على ما سمعت عن بعض في تفسيره. ورد بأن تفسيره بذلك مبني على القول بالتعمير فإن قبل قبل وإلا فلا، وعن الخامس بأنا نختار أنه ثابت بالسنة وقد تقدم لك طرف منها.

وتعقب بما نقله عن القارئ عن ابن قيم الجوزية أنه قال: إن الأحاديث التي يذكر فيها الخضر عليه السلام وحياته كلها كذب ولا يصح في حياته حديث واحد ومن ادعى الصحة فعليه البيان، وقيل: يكفي في ثبوته إجماع المشايخ العظام وجماهير العلماء الأعلام. وقد نقل هذا الإجماع ابن الصلاح والنووي وغيرهما من الأجلة الفخام، وتعقب بأن إجماع المشايخ غير مسلم فقد نقل الشيخ صدر الدين إسحاق القونوي في تبصرة المبتدي وتذكرة المنتهي أن وجود الخضر عليه السلام في عالم المثال.

وذهب عبد الرزاق الكاشي إلى أن الخضر عبارة عن البسط والياس عن القبض، وذهب بعضهم إلى أن الخضرية رتبة يتولاها بعض الصالحين على قدم الخضر الذي كان في زمان موسى عليهما السلام، ومع وجود هذه الأقوال لا يتم الإجماع، وكونها غير مقبولة عند المحققين منهم لا يتممه أيضا، وإجماع جماهير العلماء على ما نقل ابن الصلاح

<<  <  ج: ص:  >  >>