كان زمن عمر، أخذ منه العقيق الأدنى من المدينة وترك له الأقصى الذي به ذو الحليفة. قال عبد الله بن أبي بكر: لما ولي عمر قال: يا بلال، إنك استقطعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يكن يمنع شيئا سئله، وإنك لا تطيق ما في يدك، فقال: أجل، قال: فانظر ما قويت عليه منها، فأمسكه، وما لم تطق فادفعه إلينا نقسمه، فأبى، فقال عمر: والله لتفعلن، فأخذ منه ما عجز عن عمارته، فقسمه بين المسلمين.
وهذا الوادي يطوف بالمدينة من جهة الجنوب والغرب والشمال، ولكنه بعيد عنها فهو من جهة الجنوب بعد قباء شمالي وادي النقيع الذي حماه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لخيل الجهاد، وكانت فيه الدوحات العظيمة والغابات الكثيفة التي يستتر فيها الراكب، ومبدؤه من جهة الغرب على ميلين من المدينة، ويصل إليه الاتي من المدينة في خمس عشرة دقيقة بالسيارة، ويمتد غربا إلى ما بعد ذي الحليفة عند آبار علي، على مسير ساعتين وثلثي ساعة، أما من الشمال فينتهي عند بئر رومة، والقسم المقارب للمدينة من العقيق الكبير أو الأكبر، وفيه بئر عروة، والأقصى الذي فيه ذو الحليفة يطلق عليه العقيق فحسب، وهو الذي أبقاه عمر بيد بلال بن الحارث، والقسم الشمالي يسمى العقيق الصغير ولديه بئر رومة.
وكل مسيل ماء شقه السيل في الأرض فأنهره وأوسعه عقيق.
وبالعقيق عرصتان وجماوات، والعرصة في الأصل: الفضاء المتسع ليس فيه بناء.
والجمّاء: الهضبة، سميت بذلك لأنها دون الجبل، فهي أشبه بالشاة الجمّاء التي لا قرن لها، وإحدى العرصتين تلي بئر رومة وهي الكبرى منهما، وتسمى عرصة البقل والأخرى بينها وبين العقيق الكبير وتسمى عرصة الماء، والعرصتان من أفضل بقاع المدينة وأكرم أصقاعها، وكان بنو أميّة يمنعون البناء فيهما ضنّا بهما، ولم يكن لأمير المدينة أن يقطع بهما قطيعة إلا بأمر من الخليفة. كتب سعيد بن سليمان إلى عبد الأعلى بن عبد الله، ومحمد بن صفوان الجمحي، وهما ببغداد يذكرهما طيب العقيق والعرصتين في أيام الربيع فقال:
ألا قل لعبد الله إما لقيته ... وقل لابن صفوان على القرب والبعد
ألم تعلما أن المصلّى مكانه ... وأن العقيق ذو الأراك وذو الورد
وأن رياض العرصتين تزينت ... بنوّارها المصفر والأشكل الفرد
وأن بها لو تعلمان أصائلا ... وليلا رقيقا مثل حاشية البرد
فهل منكما مستأنس فمسلم ... على وطن أو زائر لذوي الودّ