فأجابه عبد الأعلى:
أتاني كتاب من سعيد فشاقني ... وزاد غرام القلب جهدا على جهد
وأذرى دموع العين حتى كأنها ... بها رمد عنها المراود لا تجدي
فإن رياض العرصتين تزينت ... وأن المصلى والبلاط على العهد
وأن غدير اللابتين ونبته ... له أرج كالمسك أو عنبر الهند
فكدت بما أضمرت من لاعج الهوى ... ووجد بما قد قال أقضي من الوجد
لعل الذي حم التفرق بيننا ... يمنّ علينا بالدنو من البعد
فما العيش إلا قربكم وحديثكم ... إذا كان تقوى الله منا على عمد
ولله ما قاله بعض المدينين:
وبالعرصة البيضاء إن زرت أهلها ... مها مهملات ما عليهنّ سائس
خرجن لحب اللهو من غير ريبة ... عفائف باغي اللهو منهن آيس
يردن إذا الشمس لم يخش حرها ... خلال بساتين خلاهن يابس
إذا الحر آذاهن لذن بحجرة ... كما لاذ بالظلّ الظباء الكوانس
فأما الجماوات الثلاث: فالأولى منها جماء تضارع وتنتهي إلى بئر عروة وما والاه، وفيها يقول أحيحة بن الجلاح:
إني والمشعر الحرام وما ... حجت قريش له وما نحروا
لا آخذ الخطة الدنية ما ... دام يرى من تضارع حجر
والثانية منها جماء أم خالد وهي في شمال الأولى، والثالثة جماء العاقر في شمال الثانية، وفي إحدى هذه الجماوات يقول أبو قطيفة:
القصر فالنخل فالجماء بينهما ... أشهى إلى القلب من أبواب جيرون
إلى البلاط فما حازت قرائنه ... دور نزحن عن الفحشاء والهون
قد يكتم الناس أسرارا وأعلمها ... وليس يدرون طول الدهر مكنوني
وقد كان بالعقيق في صدر الإسلام القصور الفاخرة والجنات الناضرة والثمار اليانعة التي تحدثك عنها الأشعار السائرة، ومن تلك القصور قصر عروة بن الزبير وبجانبه بئره، ويقول فيهما عامر بن صالح:
حبذا القصر ذو الظلال وذو البئر ... ببطن العقيق ذات السقاة
ماء مزن لم يبغ عروة فيها ... غير تقوى الله في المفظعات