ثم ظهر بعد ذلك مقالة الكلابية، والأشعرية، وقالوا: القرآن معنى قائم بالنفس، وإنما هذا المنزل حكايته وعبارته، ودال عليه.
وقالوا: هذا المتلو معدود متعاقب، وكلام الله تعالى لا يجوز عليه التعاقب ولا التعدد، بل هو شيء واحد، قائم بالذات المقدسة. واتسع المقال في ذلك، ولزم منه أمور وألوان، ترْكُها - واللهِ- من حسن الإيمان" (١).
- وقال ابن أبي العز الحنفي (المتوفى: ٧٩٢ ه): "ولا شك أن من قال: إن كلام الله معنى واحد قائم بنفسه تعالى، وإن المتلو المحفوظ المكتوب المسموع من القارئ حكاية كلام الله، وهو مخلوق، فقد قال بخلق القرآن في المعنى وهو لا يشعر، فإن الله تعالى يقول:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ}[الإسراء:٨٨]، أفتراه - عز وجل - يشير إلى ما في نفسه أو إلى المتلو المسموع؟
ولا شك أن الإشارة إنما هي إلى هذا المتلو المسموع؛ إذ ما في ذات الله غير مشار إليه، ولا منزل ولا متلو ولا مسموع.
(١) سير أعلام النبلاء (١١/ ٥١٠ - ٥١١) مؤسسة الرسالة، ط/ الثالثة، ١٤٠٥ هـ ١٩٨٥ م.