وذهب بعضهم كإمام الحرمين الجويني - وتبعه كثير أو أكثر المتأخرين- إلى أن "كلام الله" لفظٌ مشترك، فيُطلق حقيقةً على كلٍ من الكلام النفسي، والقرآن المنزل المثبت في المصاحف المُتعبد بتلاوته.
وليس معنى كون القرآن المنزل هو كلام الله: أنّ الله تعالى تكلّم به، وإنما معناه عندهم أن الله تولّى خلقه في اللوح المحفوظ أو في غيره، وأنه ليس من تأليف البشر، فهذا هو وجه تسميته بـ"كلام الله" كما سيأتي مصرّحًا بذلك في أقوال أئمتهم وعلمائهم.
والحاصل أنّ مذهب جمهور الأشاعرة هو موافقة المعتزلة في القول بخلق القرآن العربي المنزل على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولكنهم يتستّرون بمذهب السلف وأهل الحديث، فيقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق، ويعنون بذلك الكلام النفسي القائم بالذات الذي لم يُنزل ولم يُسمع.
أما القرآن المنزل على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، المكتوب في المصاحف، المقروء بالألسنة، المحفوظ في الصدور، فهو عندهم مخلوق، وهو عبارة ودلالة على الكلام النفسي.
فمذهبهم في القرآن مذهب مسقَّف، باطنه الاعتزال، وظاهره التستر بمذهب السلف، وما أحسن ما قيل فيهم أنهم قدّموا رِجْلاً نحو الاعتزال، وأخّروا أخرى نحو مذهب السلف وأصحاب الحديث، وكلام الأئمة في تستُّر الأشاعرة بمذهب السلف كثير مشهور، من ذلك ما يلي: