للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:

وقال من اعتقد استحالة الكلام من الله تعالى: إنه سبحانه لا يوصف بالقدرة على صدوره من ذاته، ولا تضاف إليه إلا إضافة تشريف كبيت الله، وناقة الله، فاعتقد المجاز في قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:١٦٤]، واعتقد أن الحقيقة أن الله تعالى خلق الكلام في الشجرة المباركة التي ذكرها الله في كتابه، وأن الكلام صدر منها، لا يصح غير ذلك.

وكانت النصوص القرآنية على عصر التابعين على جلالتها لم تتبدل بكثرة التأويل، فعظُم على التابعين أن يكون ظاهر قول الله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:١٦٤] قبيحًا وضلالا مع أن الله سبحانه نَسَبه إلى ذاته المقدسة، واحتج على بطلان ربوبية العجل والأصنام بعدمه، لا بعدم القدرة على خلقه في غيرها.

وكذلك بقوله: {تَكْلِيمًا} [النساء:١٦٤] مع ما شهد لصحته من سائر الآيات والآثار وإجماع الصحابة على وصف الله تعالى بأنه متكلم، وله كلام من غير إشعار بتأويل، فجهروا بتكفير من قال ذلك، إما لاعتقادهم أنه مكذّب لهذه الآيات، أو أن كلامه يؤول إلى التكذيب.

ولم يكن قد عرض في زمن الصحابة والتابعين ذكر الكلام النفسي وقدمه، فلم يذكر أحد منهم هذه المسألة، وإنما كان كلامهم في اللفظي الذي لم يقل بقدمه طائفة من طوائف المسلمين البتة، وإن شذ بذلك بعض المحدثين ... " (١).


(١) العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (٤/ ٣٤٩ - ٣٥٧).

<<  <